قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٢٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ ...) الآية.
يحتمل قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) : ما ذكر من بعث الرسل والأنبياء ـ عليهمالسلام ـ على فترة منهم ، ويحتمل : ما ذكر (١) على أثره ، وهو قوله : (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) ؛ كأنه يقول : اشكروا نعمتي التي أنعمت عليكم من جعل الأنبياء فيكم ، ولم يكن ذلك لأمة من الخلق (٢) ، وجعلكم ملوكا تستنصرون من الأعداء ؛ لأن الملوك في بني إسرائيل هم الذين كانوا يتولون القتال وأمر الحرب مع الأعداء ؛ كقوله : (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) [البقرة : ٢٤٦] ، فأخبر أنه جعل فيهم الأنبياء يعلمونهم أمور الدنيا والآخرة ، ويحتاج غيرهم إلى معرفة ذلك ، وإنما يعرفون ذلك بهم ، وجعل فيهم ملوكا يستنصرون من الأعداء ويقهرونهم ؛ فيعزون ويشرفون في الدنيا والآخرة.
وقوله : (وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ)
يحتمل : ما ذكر من جعل الأنبياء والملوك فيهم ، ويحتمل : ما رزقهم في التيه من المنّ والسلوى وغيره من النعم (٣).
وقيل في قوله : (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) ، أي : جعلكم بحيث تملكون أنفسكم ، وكنتم قبل ذلك يستعبدكم فرعون ، ويتخذكم خولا لنفسه (٤) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)
قيل : قوله : (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) ، أي : كتب الله عليكم قتال أهل تلك الأرض ؛ ليسلموا ، وهو كقوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [البقرة : ١٩٣] ، يعني : الكفر ؛ فعلى ذلك قوله ـ تعالى ـ : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) قتال أهلها ؛ ليسلموا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَكُمْ) ، أي : عليكم ، وهذا جائز في اللغة ؛ كقوله : (وَإِنْ
__________________
(١) في ب : ذكره.
(٢) ينظر : تفسير الطبري (٤ / ٥٠٩).
(٣) أخرجه الطبري (٤ / ٥١٢) ، رقم (١١٦٤٦) من طريق مجاهد عن ابن عباس.
(٤) قاله السدي ، أخرجه عنه الطبري (٤ / ٥١١) ، رقم (١١٦٣٩).