من حيث الكون دونه فإنما هو غالب الظن ، فالذي لا يحل من ذلك أن يكون بحيث لا يعلم حقيقته أبدا ؛ يدل على ذلك جميع الأمور التي منها المباح أو المحظور (١) : أن المحظور منه أبعد من الظهور والعلم به من المباح ؛ فعلى ذلك أمر هذا مع ما زيد هاهنا ما جعل فيه من حد الزانى وجهين :
أحدهما : الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك ؛ بما هتك ستر الله.
والثاني : فحش الشين بفاعل ذلك ، ولزوم المسبّة في صاحب ذلك ، وذلك غاية معنى لزوم الشين ، وكذلك روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من أصاب [من](٢) هذه القاذورات شيئا فليستتر [بستر الله](٣) ، فإنّه من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حدّ الله». فإذا بلغ العمل الذي حده ما ذكرت [من العقوبة](٤) من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى أظهر ذلك الجماعة بفعل من يشينه فعله ما ذكرت ، استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك بحله ، وبقلة حيائه ، حيث أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل ، فألزم من إليه ذلك القيام به لله ، ثم جعل الله في ذلك الفعل عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله ، على ما علم من مصلحة الخلق بها ، وزجرهم ، وتكفيرهم بها.
ثم إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ جعل أول عقوبة الزنا في نوع من الخلق في الإسلام الحبس في البيوت ، فهو ـ والله أعلم ـ مخرج على أوجه :
أحدها : إنه كان الزنا في الابتداء في نوع ظاهر يكتسبون به عرض الدنيا في (٥) ذلك في الإماء حتى قال الله ـ تعالى ـ : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ ...) الآية [النور : ٢٤] ، وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزناة من الإماء ، حتى بلغ من ظهور ذلك إلى أن يمازج به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن ؛ فنزل قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) [الأحزاب : ٥٩] وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت غلب عليهم خوف مواقعة الزنا ، [وكذلك على](٦) الحرائر ؛ لكثرة ما يرين أو يسمعن ، وذلك معنى يبعث من شرهت نفسه ،
__________________
(١) في ب : والمحظور.
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب : يستره الله.
(٤) سقط من ب.
(٥) في ب : وفي.
(٦) في ب : وذلك.