يحتمل النهي عن اتخاذ أولئك أولياء وجوها :
يحتمل : النهي قبل أن يتخذوا ؛ لئلا يتخذوا.
ويحتمل : النهي بعد ما اتخذوا أولياء : لا في الدين ، ولكن في بعض المكاسب.
ويحتمل : أن يكون النهي للمنافقين ألا يكونوا مع أولئك على المؤمنين ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
والحزب : هو العون والنصر في اللغة ؛ قال الكسائي : تقول العرب : فلان حزبي ، أي : ناصري وعوني.
وقوله : (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً).
يخبر نبيه صلىاللهعليهوسلم غاية سفههم بصنيعهم إذا نودي [إلى الصلاة](١) ؛ لأنه ذكر في القصة : أنهم إذا سمعوا المنادي يقول : «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» ، قالوا : حرق الكاذب ، وقالوا : والله ما نعلم أهل دين من هذه الأديان أقل حظّا في الدنيا والآخرة منهم ، يعنون : محمدا صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ فدخل (٢) خادمهم ليلة من الليالي بنار وهو نائم ، فسقطت شرارة ؛ فحرقت البيت واحترق هو وأهله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)
نفي عنهم العقل ؛ لما لم ينتفعوا بما عقلوا ؛ وإلا كانوا يعقلون ؛ وعلى ذلك يخرج قوله (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) [الملك : ١٠] ، لما لم ينتفعوا بما سمعوا به وعقلوا ، وكذلك قوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ...) الآية [البقرة : ١٨] : إنا نعلم أنهم كانوا يبصرون ويسمعون ؛ لكن نفي عنهم لما لم ينتفعوا بالبصر والسمع واللسان ؛ كمن ليس له ذلك في الأصل ، والله أعلم.
ويحتمل وجها آخر : وهو أن شدة بغضهم وحسدهم [لنبينا محمد](٣) صلىاللهعليهوسلم تمنعهم عن فهم ما خوطبوا به ، وتحول بينهم وبين معرفة ذلك ـ فكانوا كمن ليس لهم ذلك رأسا.
قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ)(٥٩) الآية.
قيل : (هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا) : هل تطعنون علينا ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه.
وقيل : وهل تعيبون علينا (٤).
__________________
(١) في ب : الصلاة.
(٢) في ب : فدخلت.
(٣) في ب : لمحمد.
(٤) ذكره أبو حيان في البحر (٣ / ٥٢٧) ، والبغوي في تفسيره (٢ / ٤٨) ، وابن عادل في اللباب (٧ / ٤٠٣).