ولكن في هذا تخلية السبيل ، على أنهن ؛ إذا زنين فعل بهن ذلك على رفع الحبس عنهن إذا حبس بما لم يبين حد ذلك ، فإذا بين زال ذلك ولا حد حتى يكون منها ذلك ، فالسبيل المجعول لهن تخلية السبيل ، ثم بين الحكم في الحادث.
ووجه آخر : أن السبيل في الحقيقة مجعول لمن كلف إمساكهن ، وإن أضيف إليهن بما فيهن ضيق عليهم الأمر ، وذلك كقوله ـ تعالى ـ : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [النساء : ٢٥] والإماء لا يؤتين الأجر ، لكن بما بمعنى فيهن ذكر الأجر ، فأضيف إليهن ، وعلى نحو ما أضيف أهل القرى إلى القرى بالتسمية ، فأخرجت على تسمية القرى ، وإذا كان المراد أهل ذلك في حق تسمية الأهل التذكير والقرية التأنيث ، فكأنه جعل للمأمورين بالإمساك سبيلا في أن يقيموا الحد ، ويزول عنهم مئونة الإمساك والقيام بالكفاية.
والثالث : أن يكون في طول الحبس ضجر [و] ضيق ، وحيلولة بين المحبوس والشهوات كلها ، وقطع [ما](١) بينه وبين الأحباب ، وتحمل مثله بمرة أيسر على النفس وأهون من دوام الذل والقهر ، ثم لا مخلص عن ذلك إلا بما في الأول يكون ثمرة ؛ فلذلك سمي ـ والله أعلم ـ ذلك سبيلا لهن.
ثم دل الخبر الذي ذكرت على أمرين :
أحدهما : أن الحبس ـ وإن كان مذكورا في النساء خاصة ـ فهو في جميع الزناة ؛ لأنه قال [رسول الله صلىاللهعليهوسلم](٢) : «خذوا عنّي ، خذوا عنّي ، قد جعل الله لهنّ سبيلا» (٣) ثم ذكر ما به جعل لهن السبيل ، في الذكور والإناث ، في المحصنين وغيرهم جميعا ؛ ليعلم أن الحكم يجمع الكل وإن كان الذّكر فيهن ، وذلك كما ذكر حد المماليك في الإماء ، وحد الزناة في قذف المحصنات ، والحكم يجمع الذكر والأنثى من حيث اتفاق المعنى الذي له جعل ، فمثله فيما نحن فيه.
والثاني : بيان نسخ المذكور من الحكم في الكتاب بالسنة ، وذلك لوجهين :
أحدهما : أنه لم يوجد على الترتيب الذي ذكر في القرآن مع ما ذكر تخلية السبيل ، وليس بمذكور في شيء من القرآن ؛ ثبت أن ذلك كان بوحي غير القرآن.
والثاني : أنه ـ عليهالسلام ـ قال : «خذوا عنّي ، خذوا عنّي» ثم أخبر عن جعل الله لهن السبيل ؛ فدل قوله صلىاللهعليهوسلم : «خذوا عنّي ، خذوا عنّي» [أنه بيان الله](٤) ، وهكذا معنى النسخ
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : عليهالسلام.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) بدل ما بين المعقوفين في ب : أنه عنه بيان جعل الله.