قوله ـ تعالى ـ : (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [يوسف : ٨٧] فلو كان يلزم الإياس لما دونه ليجب الوصف له بالكفر ؛ إذ الإياس لهم بالكفر وفي تحقيقه تحقيقه ، فأي الوجهين لزم تبعه الآخر في حق الإياس ، لا في وجود فعله ؛ إذ قد يوجد فعل الرجاء في الكفرة ، ثبت أن ذلك في الحكم والتحقيق ، لا في وجود الفعل ، وبالله التوفيق.
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً)(٥٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ)
قيل : هم اليهود ، جاءوا بأبنائهم أطفالا ، فقالوا : يا محمّد ، هل على أولادنا هؤلاء من ذنب؟ قال : «لا» ، قالوا : فو الذي يحلف به ما نحن إلا كهيئتهم ، ما من ذنب نعمله (١) بالنهار إلا كفر عنا بالليل ، وما عملنا بالليل إلا كفر عنا بالنهار ، فذلك التزكية منهم (٢).
وقيل : تزكيتهم أنفسهم بقولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] لا ذنوب لنا.
ويحتمل : أن تكون تزكيتهم أنفسهم ما قال الله ـ عزوجل ـ (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [البقرة : ٤٧] وكان أكثر الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ إنما بعثوا من بنى إسرائيل ، وكانوا يزكون أنفسهم بذلك (٣) ، فأخبر ـ عزوجل ـ أنهم كانوا مفضلين على غيرهم ، لكن لما فضل غيرهم عليهم صار أولئك المفضلون دونهم وذلك ، قوله ـ عزوجل ـ : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) يفضل من يشاء ، أو يبرئ من يشاء (٤) من الذنوب.
ثم التزكية تذم ؛ أن يزكي أحد نفسه ؛ لأن التزكية هي التنزيه من العيوب كلها والذنوب ، وذلك مما لا يسلم أحد منها (٥) ، ولا يبرأ ، ولا يستحق مخلوق ، وذلك معنى النهي : (فَلا
__________________
(١) في ب : نعلمه.
(٢) أخرجه ابن جرير (٨ / ٤٥٢ ـ ٤٥٣) (٩٧٣٥) عن الضحاك ، (٩٧٣٧) عن السدي ، وذكره السيوطي (٢ / ٣٠٥).
(٣) أخرجه ابن جرير (٨ / ٤٥٢) (٩٧٣٣) عن قتادة ، و (٩٧٣٤) عن الحسن ، و (٩٧٣٦) عن ابن زيد ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥) وعزاه لعبد الرزاق وابن أبي حاتم عن الحسن.
(٤) في ب : شاء.
(٥) في ب : عنها.