يوص به الميت ـ فإنه لا يخرج من ماله ، ويدخل عندنا في هذا الجنس : الحج يكون على الرجل ، والنذر (١) ، والزكاة ، وأشباه ذلك ، ليس بشيء منها دين ، فإذا لم يوص الميت بها فلا يجب أن تؤدى من التركة إلا أن ينفذها الورثة.
فإن قال قائل : هي دين كسائر الديون.
قيل له : أرأيت إن كان عليه دين وزكاة : يبدأ بالدين أو تقسم التركة بالحصص إذا لم يف بذلك كله؟
فإن قال : يبدأ بالدين ؛ قيل له : لو كانت الزكاة دينا كديون الناس كانت في القضاء.
فإن قال : أجعل الزكاة أسوة في القضاء مع الديون ؛ قيل له : ما تقول في رجل أفلس وعليه ديون : هل يقسم ماله بين غرمائه؟
فإن قال : نعم ؛ قيل : فإن كانت عليه زكاة هل يضرب لها بسهم؟
فإن قال : لا ؛ قيل : كيف ضربت لها بسهم بعد الموت لما قسمت ماله ، ولم تضرب لها بسهم في الحياة ، إن كانت كسائر الديون بعد الموت؟! فيجب أن تكون كسائر الديون في الحياة ، إلا أن الزكاة حالة (٢) واجبة على من كان عنده مال فحال عليه الحول فاستهلكه ، وليس يجوز له تأخير قضاء الدين. وفي إقرارك أنك تبدأ بالدين قبل الزكاة في الحياة دليل على أنه يجب أن يبدأ بالدين قبل الزكاة بعد الموت.
فإن قيل : قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم للمرأة التي سألت : هل تحج عن أبيها؟ : «أرأيت لو كان على أبيك دين ، فقضيتيه ألم يجز عنه؟» (٣) يدل على أن الحج دين.
قيل له : ليس فيه دلالة الوجوب عليها ؛ إنما فيه دليل جواز الحج عن الميت وقبوله ، إذن كان قضاء ما هو أوكد منه من ديون العباد قضاء صحيحا ؛ فالحج الذي هو دون ذلك
__________________
(١) النذور : جمع نذر ، وهو ـ بذال معجمة ساكنة ، وحكي فتحها ـ لغة : الوعد بخير أو شر ، وشرعا : الوعد بخير خاصة ، قاله الروياني والماوردي. وقال غيرهما : التزام قربة لم تتعين.
والأصل فيه آيات : كقوله تعالى : (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) [الحج : ٢٩] ، وأخبار كخبر البخاري : «من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» ، وفي كونه قربة أو مكروها ـ خلاف ، والذي رجحه ابن الرفعة أنه قربة في نذر التبرع دون غيره ، وهذا أولى ما قيل فيه.
ينظر : الإقناع (٢ / ٥٩٥ ، ٥٩٦) ، الإشراف (٢ / ٣٣٩) ، والاختيار (٤ / ٧٦) ، والكافي (١ / ٤٥٤) ، وأنيس الفقهاء (٣٠١).
(٢) في ب : خالصة.
(٣) أخرجه النسائي (٥ / ١١٨) في مناسك الحج : باب تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين ، و (٨ / ٢٢٩) في آداب القضاء : باب ذكر الاختلاف على يحيى بن أبي إسحاق فيه ، وأحمد (١ / ٢١٢) ، والدارمي (٢ / ٤٠ ـ ٤١) والدارقطني (٢ / ٢٦٠) ، والطبراني في الكبير (١١) رقم (١١٣٢٣) و (١١٤٠٩) و (١١٢٠٠).