في التأكيد أحرى أن يقبل ؛ كأنه أراد هذا ، والله أعلم.
ودليل آخر : أن الزكاة لا تجوز أن تؤدى عن الميت إذا لم يوص بها ؛ لأن الزكاة لا تؤدى إلا بنية المزكي ، والنية عمل القلب ، ولا خلاف في أنه لا يصلّى عن الميت ولا يصام عنه ؛ فلما لم يجز أن يقضى عن الميت على الأبدان ، لم يجز أن تقوم نية الورثة في أداء الزكاة مقام نية الميت.
قال الشيخ ـ رحمهالله تعالى ـ في قوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) ظاهره أنه يقدم الوصية على الميراث ، لكن أجمع أن الابتداء به عن حق حد الميراث ، ولكن يوزع ؛ فيخرج التأويل على وجوه :
أحدها : أن قوله ـ تعالى ـ : (يُوصِيكُمُ اللهُ ...) إلى قوله : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) ـ كأنه سوى ، أي : سواء مالكم : أن توصوا ، أوصاكم الله فيه ـ بكذا.
والثاني : أن يكون (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) ، أي : من بعد ما أوصيتم ، ويكون الميراث بعد الإيصاء.
ويحتمل : من بعد أن كان عليكم الإيصاء والدّين ـ أمركم بالمواريث ؛ فيكون فيه نسخ قوله : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) ؛ فدلت هذه الآية على حجر (١) بعض الوصايا بقوله ـ عزوجل ـ : (غَيْرَ مُضَارٍّ) ، لكن يحتمل أن تكون المضارة تبطل الفضل ، ويحتمل ألا تبطل ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) [البقرة : ٢٣١] في الرجعة (٢) على إمضاء الرجعة على ذلك ، لكن الإضرار في الرجعة
__________________
(١) الحجر : مصدر «حجر عليه القاضي» ، يحجر حجرا : إذا منعه من التصرف في ماله.
ينظر : لسان العرب (٢ / ٧٨٢) (حجر).
واصطلاحا : عرفه الحنفية بأنه : منع نفاذ تصرف قولي.
وعرفه الشافعية بأنه : المنع من التصرفات المالية.
وعرفه المالكية بأنه : صفة حكمية توجب منع موصوفها من نفوذ تصرفه فيما زاد على قوته ، كما توجب منعه من نفوذ تصرفه في تبرع بزائد على ثلث ماله.
وعرف الحنابلة بأنه : منع الإنسان من التصرف في ماله.
ينظر : حاشية ابن عابدين (٥ / ٨٩) ، مجمع الأنهر : (٢ / ٤٣٧) ، المهذب للشيرازي (١ / ٣٢٨) ، نهاية المحتاج (٤ / ٣٥٣) ، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير : (٣ / ٢٩٢) ، أسهل المدارك (٣ / ٣) ، كشاف القناع (٣ / ٤١٦ ـ ٤١٧).
(٢) رجعة بفتح الراء وكسرها ، والفتح أفصح والمراجعة : المعادة ، يقال : راجعه الكلام وراجع امرأته ، فهي لغة المرّة من الرجوع.
عرفها الحنفية : استدامة الملك القائم في العدة ، برد الزوجة إلى زوجها ، وإعادتها إلى حالتها الأولى. ينظر : البحر الرائق (٤ / ٥٤) فتح القدير (٤ / ١٥٩).