والآية لم تخص قدرا من الدّين دون قدر ، وكذلك الوصية ، لكن تفسيره ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الثّلث والثّلث كثير» (١) ، وما روي في خبر آخر : «إنّ الله ـ تعالى ـ تصدّق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في أعمالكم لم يجعل له أكثر من ذلك» (٢) ، وما روي في خبر آخر عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ وعمر وعثمان ـ رضي الله عنهما ـ : «الخمس اقتصاد ، والرّبع جهد ، والثّلث حيف (٣)».
ثم الوصية جوازها الاستحسان والإفضال من الله تعالى ، والقياس يبطلها ؛ وذلك أن الله ـ تعالى ـ لم يملك الخلق أعين الأموال ؛ وإنما جعل الانتفاع لهم بها ؛ ألا ترى أنهم نهوا عن إضاعتها ، ولو كان أعين المال لهم لكان لا معنى للنّهى عن إضاعتها ؛ دل أنه إنما جعل لهم الانتفاع فيها إلى وقت موتهم ، وبالموت ينقطع الانتفاع بها ؛ فينظر من الأحق بها بعد الموت : الغريم صاحب الدين ، أو الوارث ، وإلا جواز الوصية الإفضال من الله ـ تعالى ـ على عباده بقوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله تصدّق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم» ؛ دل هذا الخبر أن جوازها الإفضال والاستحسان منه إلى عباده ، والله أعلم.
وقوله ـ تعالى ـ : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) ـ يدل على أن ما ليس بدين ولم
__________________
ـ وقال علي بن المديني : كذاب ، وقال الدارقطني : ضعيف. ينظر : ميزان الاعتدال (١ / ٤٣٥).
قال الحسن البصري : يوصى بالسدس أو الخمس أو الربع.
قال الشعبي : إنما كانوا يوصون بالخمس والربع.
وروي عن ابن عباس أنه قال : الثلث والربع حيف.
وقال إسحاق بن راهويه : السنة : الربع ، إلا أن يعرف الرجل في ماله شبها ؛ فله استغراق الثلث.
قال إبراهيم : كان السدس أحب إليهم من الثلث.
قال عمر لرجل يسأله : أوص بالعشر.
وأوصى زياد بن مطر ، فقال : وصيتي : ما اتفق عليه فقهاء البصرة ، فاتفقوا على الخمس.
وقال الشافعي : إن ترك ورثته أغنياء لم يكره له أن يستوعب الثلث ، وإلا فالاختيار ألا يستوعبه.
وذهب قوم إلى أنه إن لم يكن له وارث ، وضع ماله حيث شاء ، روي ذلك عن ابن مسعود ، وإليه ذهب إسحاق.
ينظر : شرح السنة (٣ / ٢١٠ ـ ٢١١).
(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده (٦ / ٤٤١) ، وعزاه له الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٢١٥) ، وزاد نسبته للبزار والطبراني من حديث أبي الدرداء وقال : وفيه أبو بكر بن أبي مريم : وقد اختلط. وذكره الهيثمي من حديث معاذ بن جبل ، وعزاه للطبراني ، وقال : وفيه عقبة بن حميد الضبي وثقه ابن حبان وغيره ، وضعفه أحمد.
(٣) الحيف : الميل في الحكم ، والجور والظلم.
يقال : حاف عليه في حكمه ، يحيف حيفا : مال وجار.
ينظر : لسان العرب (٢ / ١٠٧١) (حيف).