وروى عن على ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الدّين قبل الوصيّة ، والوصيّة قبل الميراث ، ولا وصيّة لوارث» (١).
وأجمعوا أنه إذا قضى الدين ـ دفع إلى أهل الوصايا وصاياهم إلا أن تجاوز الثلث فترد إلى الثلث ؛ إن لم يجز الورثة ، ويقسم الثلثان بين الورثة على فرائض الله تعالى.
وليس معنى قول الله ـ تعالى ـ : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) ـ أن يخرج الثلث ، فيبدأ بدفعه إلى الموصى لهم ، ثم يدفع الثلثان إلى الورثة ؛ لأن الموصى له شريك الورثة ؛ إن هلك من المال شيء قبل القسمة ذهب من الورثة والموصى له جميعا ، ويبقى سائر المال بالشركة بينهم.
ولكن معناه : من بعد وصية إعلام أن الميراث يجري في المال بعد وضع الوصية من جملته إذا كان الثلث أو دونه ، وإن لم يكن دفع ذلك إلى أصحاب الوصايا ، ثم لم يذكر في الآية قدر الدين والوصية ، ومن قولهم : إن الدين إذا أحاط بالتركة منع الميراث والوصية ، وإذا لم يحط لم يمنع.
والوصية تجوز قدر الثلث ، ولا تجوز أكثر من الثلث (٢) ، إلا أن يجيز الورثة.
__________________
ـ وقال الترمذي : وهذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن على ، وقد تكلم بعض أهل العلم في الحارث ، والفعل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم.
وقد علق البخاري هذا الحديث في صحيحه (٥ / ٤٤٣) كتاب الوصايا : باب تأويل قوله تعالى : من بعد وصية يوصى بها أو دين. فقال : ويذكر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قضى بالدين قبل الوصية.
قال الحافظ في «الفتح» : هذا طرف من حديث أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما من طريق الحارث ـ وهو الأعور ـ عن علي بن أبي طالب قال : قضى محمد صلىاللهعليهوسلم أن الدين قبل الوصية ، وأنتم تقرءون الوصية قبل الدين. لفظ أحمد ، وهو إسناد ضعيف ، لكن قال الترمذي : إن العمل عليه عند أهل العلم ، وكأن البخاري اعتمد عليه ؛ لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه ، وإلا فلم تجر عادته أن يورد الضعيف في مقام الاحتجاج به. ا. ه.
والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٢٣) وعزاه إلى ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، والبيهقي عن علي.
(١) تقدم تخريجه.
(٢) يستوعب الثلث من ماله بالوصية ، وألا يجاوز الثلث ، سواء كان له وارث أو لم يكن ، والأولى أن ينقص عن الثلث ؛ لقوله صلىاللهعليهوسلم : «والثلث كثير» ، وهذا قول أكثر أهل العلم.
وقد روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لسعد : «أوص بالعشر» ، قال : فما زلت أناقصه حتى قال : «أوص بالثلث والثلث كثير». أخرجه النسائي (٦ / ٢٤٣) كتاب الوصايا : باب الوصية بالثلث (٣٦٣١ ، وما بعده ، وما قبله) ، والترمذي (٣ / ٣٠٥) كتاب الجنائز : باب ما جاء في الوصية بالثلث ؛ والربع (٩٧٥).
قال علي : لأن أوصي بالخمس ـ أحب إلى من أن أوصي بالربع ، ولأن أوصي بالربع أحب إلى من أن أوصي بالثلث ؛ فمن أوصى بالثلث ـ فلم يترك. أخرجه البيهقي (٦ / ٢٧٠) ، وهذا إسناد موضوع أو ضعيف جدا ، فيه الحارث بن عبد الله الأعور : أبو زهير صاحب رمي بالرفض ، ـ