منصوص ، وما يحرز الأب من الميراث بحق العصبة مستدل عليه لا منصوص ، وما يستحق بالفريضة فهو منصوص عليه ، وهكذا كل من يستحق شيئا بحق الفريضة فهو منصوص عليه ؛ فدل أن ما ترك ذكره إنما ترك للاجتهاد ، والتفكر فيه ، والاعتبار.
وفيه دليل أنه يجوز ألا يطلع الله عباده على الأشياء بقوله ـ تعالى ـ (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) إذ لم يبين أيهم أقرب نفعا ؛ دل قوله : (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) ؛ إذ ذكر وراثتهما ، ولم يبين حق الأب أنه جعله عصبة يرد إليه الفضل.
فيظهر للأب بهذه الآية من قوله ـ تعالى ـ : (يُوصِيكُمُ اللهُ ...) إلى آخرها ـ أمران :
أحدهما : حق العصبة.
الثاني : حق الفرض بقوله : (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ)
ثم بعد هذا فيه أمران :
أحدهما : أنه إذا ثبت له حق العصبة ، وقد بين الله ـ تعالى ـ نصيب الابنة (١) أنه النصف ، ونصيب الأب مع الوالد أن له السدس ؛ فزعمت الشيعة أن الفضل يرد إلى الابنة (٢) ؛ لأنها ولد ، ولم يذكر له مع الولد إلا السدس.
وعندنا : يرد إلى الأب ؛ لأنه لم يذكر للابنة (٣) إلا النصف ، ثم قد جعل الأب عصبة فيما له حق الفضل عن المفروض ، ولم يجعل الابنة ؛ لذلك كان الرد إلى الأب أحق مع ما يحتمل إن كان له ولد ذكر ، ثم حرمت الأمّ بالابنة ؛ إذ هي تحرم بالأخوات ، فالبنات أحق ؛ إذ هن أقرب.
والثاني : أنه إذ جعل للأب السهم من وجهين ، ثم الذي له في أحد الوجهين صار للجد دون أولاده ، وبين لأولاد الأب الحق ، وإبقاء حق الجدّ لما بين لولده ؛ فعلى ذلك ما له من الوجه الثاني وهو أولى ؛ لأن حق العصّاب يخرج على إلحاق الأبعدين فيه بالأقربين ، وحق الفرائض لا ، حتى يبين ، ثم صار الجدّ أبا في حقّه من الفرض إذا لم يكن هو فمثله في حق العصبة.
ثم فيه وجه آخر : أنه أتبع ذلك الذّكر ذكر الزوجين ، وذكرهما مع الولد ، ولم يذكر معهما الولدان ؛ فثبت أن أمرهما يدخل في حالهما فيما كان ، لا في حالهما ، أي : الزوجين ، وأيّد ذلك قوله : إنه بقى حالهما مع الزوجين مع الولد على ما كان عليه دون الزوجين معه ؛ فعلى ذلك حالهما بلا ولد ، وفي ذلك وجوب صرف حقهما إلى ما فضل ، كما ذكر في قوله :
__________________
(١) في ب : البنت.
(٢) في ب : البنت.
(٣) في ب : البنت.