ليس بميراث.
وفي الآية دليل (١) جواز القياس ، والفكر فيها ، والاعتبار ؛ لأن ميراث الابنتين مستدل عليهما ، غير منصوص ، وكذلك ميراث الذكور من الأولاد بالانفراد مستدل عليه غير
__________________
ـ تعالى : (قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٧٥ ـ ٧٧] فإن معناه أن كل ما عبدتموه أنتم وعبده آباؤكم الأقدمون ـ فإنى أعاديهم وأجتنب عبادتهم وتعظيمهم ، لكن رب العالمين ليس منهم ؛ ولذا أعبده وأعظمه. وقوله ـ تعالى ـ : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً. إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) [الواقعة : ٢٥ ـ ٢٦] أي : لكن يسمعون فيها ـ أي في الجنة ـ قولا سلاما سلاما ؛ إذ السلام ليس من جنس اللغو. وقوله : تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور : ٤ ـ ٥] ؛ فإن التائبين غير داخلين في المستثنى منه وهم قوله (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [النور : ٤] ؛ فيجعل منقطعا بمعنى : لكن إن تابوا فالله يغفر لهم.
ومن الحنفية من جعل الاستثناء في هذه الآيات متصلا بتأويلات أخرى : كجعله استثناء من عموم الأحوال ، أما الاستثناء المقدر ، أي : الذي له تقدير في الشرع : مثل المكيل والموزون ، والعددي المتقارب : كالبيض والجوز ، من مقدر آخر من غير جنسه : كاستثناء المكيل من الموزون أو عكسه ، واستثناء أحدهما من الدراهم والدنانير ، واستثناء الدراهم من الدنانير وبالعكس. هذا الاستثناء صحيح عند أبي حنيفة وأبي يوسف ـ رحمهماالله ـ أي : يجعل المستثنى مخرجا من المستثنى منه ، ويجعل المتكلم كأنه تكلم بالباقي بعد المستثنى ؛ كما في الاستثناء المتصل الحقيقي ؛ وذلك على أساس أن المقدرات جنس واحد في المعنى ؛ باعتبار أنها كلها تصلح ثمنا في البيع : حتى لو اشترى عبدا بإردب من القمح موصوف ، أو بكذا رطلا من الدهن ، أو بكذا عددا من الجوز ـ جاز البيع ، ويتعين الإردب والأرطال والجوز ثمنا. وباعتبار أنها كلها تثبت في الذمة بمقابلة ما هو مال وما ليس بمال حالة ومؤجلة ، ويجوز استقراضها ؛ فصار الجنس واحد في المعنى ؛ من حيث الثبوت في الذمة ثبوتا صحيحا ، وإن كانت الصورة مختلفة ؛ فإن الدينار غير الدرهم ، والإردب غيرهما ؛ فلا يكون إخراجهما باعتبار الصورة ، ويكون تكلما بالباقى باعتبار المعنى ؛ فيمتنع بالوجوب في الذمة بمقدار ما يساويه إردب القمح من الدراهم من الألف في قوله : «له علىّ ألف درهم إلا إردب قمح» ، فإذا كان الإردب يساوى مائة درهم ، يجعل كأنه قال : له على تسعمائة درهم ، وهو الباقي بعد استثناء قيمة الإردب ؛ كما في قوله : له على ألف درهم إلا مائة.
أما محمد وزفر فيريان أن الجنس مختلف حقيقة ، والمستثنى غير داخل في المستثنى منه ولا يتناوله لفظه ؛ فلا يمكن إخراجه منه ، ويكون استثناء منقطعا بمعنى لكن ، وتثبت الألف كلها في ذمة القائل له على ألف درهم إلا إردب قمح ؛ إذ المعنى : لكن ليس له على إردب قمح ، والتأويل على رأي الشيخين أبي حنيفة وأبي يوسف ـ يجعل الاستثناء في المقدرات من الجنس ، وليس كما ذكر الغزالي وبعض العلماء استثناء من غير الجنس ؛ ومن ثم يقول الآمدي في الإحكام : «وأما استثناء الدراهم من الدنانير وبالعكس فهو محل النزاع عند القائلين بعدم صحة الاستثناء من غير الجنس ، وإن تكلف بيان صحة الاستثناء من جهة اشتراكهما في النقدية وجوهر الثمنية آيل إلى الاستثناء من الجنس.
انظر : المستصفى (٢ / ١٦٥ ـ ١٦٦) ، الإحكام للآمدي (٢ / ٤٢٤) ، كشف الأسرار (٣ / ٧٥١).
(١) في ب : دلالة.