وقوله ـ عزوجل ـ : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)
استثنى الراسخين [في العلم](١) منهم. والرسخ : هو ثبات الشيء في القلب ؛ يقال : رسخ العلم في القلب ، ورسخ الإيمان في القلب.
وقوله : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ)
روى عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : هذا خطأ من الكاتب ؛ هو : «المقيمون الصلاة ، والمؤتون الزكاة» (٢).
وكذلك في حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «والمقيمون الصلاة والمؤتون الزكاة» (٣).
وقال الكسائي : وجه قراءتنا (٤) : (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٤٣٥) ، وعزاه لأبي عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شبية وابن جرير وابن أبي داود وابن المنذر عن عروة عن عائشة.
(٣) ينظر : البحر المحيط (٣ / ٤١١).
(٤) قرأ الجمهور بالياء ، وقرأ جماعة كثيرة : «والمقيمون» : بالواو ، منهم : ابن جبير وأبو عمرو بن العلاء في رواية يونس وهارون عنه ، ومالك بن دينار ، وعصمة عن الأعمش ، وعمرو بن عبيد ، والجحدرى ، وعيسى بن عمر وخلائق. فأما قراءة الياء ، فقد اضطربت فيها أقوال النحاة ، وفيها ستة أقوال :
أظهرها ـ وعزاه : مكي لسيبويه ، وأبو البقاء : للبصريين ـ : أنه منصوب على القطع ؛ يعنى : المفيد للمدح ؛ كما في قطع النعوت ، وهذا القطع مفيد لبيان فضل الصلاة ؛ فكثر الكلام في الوصف بأن جعل في جملة أخرى ، وكذلك القطع في قوله «والمؤتون الزكاة» ، على ما سيأتي ؛ هو لبيان فضلها أيضا ، لكن على هذا الوجه يجب أن يكون الخبر قوله : «يؤمنون» ، ولا يجوز قوله : «أولئك سنؤتيهم» ؛ لأن القطع إنما يكون بعد تمام الكلام ، قال مكي : «ومن جعل نصب «المقيمين» على المدح ـ جعل خبر «الراسخين» : «يؤمنون» ؛ فإن جعل الخبر «أولئك سنؤتيهم» ـ لم يجز نصب «المقيمين» على المدح ؛ لأنه لا يكون إلا بعد تمام الكلام». وقال أبو حيان : «ومن جعل الخبر : «أولئك سنؤتيهم» ـ فقوله ضعيف» ، قال شهاب الدين : وهذا غير لازم ؛ لأن هذا القائل لا يجعل نصب «المقيمين» حينئذ ـ منصوبا على القطع ، لكنه ضعيف بالنسبة إلى أنه ارتكب وجها ضعيفا في تخريج «المقيمين» ، كما سيأتي. وحكي ابن عطية عن قوم منع نصبه على القطع ؛ من أجل حرف العطف ، والقطع لا يكون في العطف ؛ إنما ذلك في النعوت ، ولما استدل الناس بقول الخرنق : [من الكامل]
لا يبعدن قومى الذين هم |
|
سمّ العداة وآفة الجزر |
النّازلين بكلّ معترك |
|
والطّيّبون معاقد الأزر |
على جواز القطع ، فرق هذا القائل بأن البيت لا عطف فيه ؛ لأنها قطعت «النازلين» فنصبته ، و «الطيبون» فرفعته ـ عن قولها «قومي» ، وهذا الفرق لا أثر له ؛ لأنه في غير هذا البيت ثبت القطع مع حرف العطف ؛ أنشد سيبويه : [من المتقارب] ـ