إِنْ خِفْتُمْ ...) الآية [النساء : ١٠١] ، وقد ذكرنا أن القصر يحتمل وجوها :
يحتمل : القصر للضرب في الأرض ، وهو القصر في عدد الركعات.
ويحتمل القصر للمرض والخوف ، فهو قصر الإيماء ، فنحن نأخذ بذلك كله على اختلاف الأحوال ؛ فعلى ذلك قوله : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) يحتمل الوجوه التي ذكرنا ، أي : اذا اطمأننتم صرتم أصحاء ؛ فصلوا كذا صلاة الأصحاء.
ويحتمل : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) : أمنتم من الخوف ؛ فصلوا كذا.
ويحتمل ـ أيضا ـ : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) إذا رجعتم وأقمتم ، فصلوا صلاة المقيمين أربعا ؛ فهذا ـ والله أعلم ـ على ما ذكرنا مقابل قوله : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ...) الآية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) أي : مفروضا (١) ، وهو قول ابن عباس.
وقيل : (كِتاباً مَوْقُوتاً) أي : لها وقت كوقت الحج ، وهو قول ابن مسعود (٢) ، رضي الله عنه.
وقيل : (كِتاباً مَوْقُوتاً) : محدودا (٣) ، فنحن نقول بهذا كله ، نقول : إنها مفروضة ، موقوتة (٤) ، محدودة ؛ على ما قيل ، والله أعلم.
والآية ترد على من يقول بأن على الكافر الصلاة ؛ لأنه أخبر أنها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، وهم يقولون : على الكافرين والمؤمنين ، لكنها كتبت على المؤمنين فعلا ، وعلى الكافرين قولا ؛ هذا ـ والله أعلم ـ معنى قوله : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) ، أي : فعلها على المؤمنين كتابا موقوتا.
ثم يحتمل قوله : (كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) أي : لم تزل هي كانت كتابا موقوتا على الأمم السالفة ، لا أنّ هذه الأمة خصت بها ؛ كقول إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [إبراهيم : ٤٠] ، وكقول عيسى ـ عليهالسلام ـ : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ...) [مريم : ٣١] ، وكقول موسى ـ عليهالسلام ـ : (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [يونس : ٨٧].
__________________
(١) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٨٠) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس ، وأبو حيان في البحر (٣ / ٣٥٦).
(٢) أخرجه ابن جرير (٩ / ١٦٩) (١٠٣٩٧) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٨٠) ، وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة عن ابن مسعود.
(٣) ذكره ابن عادل في اللباب (٦ / ٦١٤).
(٤) في ب : مؤقتة.