ويحتمل قوله ـ تعالى ـ : (كانَتْ) ، أي : [الصلوات صارت](١) ، (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) بعد أن لم تكن. وكل ذلك محتمل ، ولكن لا نشهد على الله أنه أراد كذا ، وكذلك في قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ) نتأول (٢) فيه ونعمل (٣) فيه بالوجوه كلها على اختلاف الأحوال ؛ لاحتماله الوجوه التي ذكرنا ؛ فلا نقطع القول فيه ، ولا نشهد على الله أنه أراد كذا ، وهكذا السبيل في جميع المجتهدات أن نعمل بها ، ولا نشهد على الله أنه أراد ذا أو أمر بذا ، وبالله التوفيق.
ذكر الله ـ تعالى ـ ما بيّن فرض الصلاة ووجوبها في غير موضع من كتابه ، منها الآية التي ذكرناها ، ومنها قوله ـ تعالى ـ : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة : ٥] ، وقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة : ١١] ، ولم تدل هذه الآيات على كيفية الصلاة وعددها ؛ إنما دلت على وجوبها ولزوم فرضها ، ودلت آيات أخر على عددها وجمل أوقاتها ؛ قال الله ـ سبحانه وتعالى ـ : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) [الإسراء : ٧٨] فهذه ثلاثة أوقات ذكر الله ـ تعالى ـ فيهن ثلاث صلوات ، روي (٤) عن مجاهد ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : سألته عن قول الله ـ تعالى ـ (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ...) [الإسراء : ٧٨] ؛ قال : إذا زالت الشمس عن بطن السماء ، لصلاة : الظهر (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) قال : بذا صلاة المغرب (٥).
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) قال : دلوكها : زيغها بعد نصف النهار ، وهو وقت الظهر (٦).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : دلوكها : زوالها (٧).
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في ب : يتأول.
(٣) في ب : يعمل.
(٤) في أ : وردت.
(٥) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه مطولا (١ / ٥٣٧ ـ ٥٣٩) (٢٠٤٠) ، عن أبي هريرة ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٥٥).
(٦) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (١ / ٥٤٣) (٢٠٥٢) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٥٤).
(٧) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٢٢٥٦٨) ، وذكره السيوطي في الدر (٤ / ٣٥٤) وعزاه لسعيد بن منصور وابن جرير عن ابن عباس.