عنهم ، أوجب ذلك لهم ؛ لأنهم هم المنتفعون في حياته دون غيرهم.
وقيل : إن القتل يوجب الضغائن فيما بين أولياء القتيل وأولياء القاتل ؛ فيحمل ذلك على الفساد والإهلاك ، فإذا وجبت هذه الدية لتطيب أنفسهم بذلك ، ولا يحمل ذلك على الضغائن والحقد.
وقيل : أوجبت هذه الدية ؛ لئلا يدعى الخطأ ؛ فيسقط القصاص عن نفسه بدعوى الخطأ ؛ فأوجب الدية لما إذا ادعى الخطأ ـ أخذ بالدية ، وقد ذكرنا أن الخطأ على وجهين :
وهو أن يقصد شيئا ، فيصيب إنسانا ، فهو خطأ ؛ لأنه أصاب غير الذي قصده بالضربة.
والثاني : خطأ الدّين ، وهو إن عرفه كافرا ، فقتله على ذلك ، قاصدا له ، فهو خطأ.
وللخطإ وجه آخر : وهو أن يضرب الرجل الرجل قاصدا لذلك ؛ بغير حديدة ، فإن كان الذي ضربه به حجرا صغيرا ، أو عصا صغيرة ، فحكمه حكم الخطأ ، وإن كان حجرا كبيرا مثله يقتل ، أو عصا عظيمة ـ فإن أصحابنا ـ رحمهمالله ـ اختلفوا في ذلك.
قال أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ : لا قود في ذلك ، وعلى عاقلته (١) الدية مغلظة (٢).
وقال محمد ـ رحمهالله ـ : يقتل به إذا كان من مثله لا ينجى (٣).
وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم ما يبين أن العمد ما كان بحديد ؛ فهو حجة لأبي حنيفة ـ رحمهالله ـ في الحجر العظيم ؛ ودليل على أن القصد بالضرب (٤) قد يكون خطأ.
وروي عن النعمان بن بشير ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «كلّ شيء خطأ إلّا الحديد والسّيف» (٥) وسنذكر هذه المسألة في باب شبه العمد ، إن شاء الله تعالى.
ثم أجمع أهل العلم على أن الرقبة على القاتل ، لا على العاقلة ، وأما الدية فلم يذكر
__________________
ـ مقدر شرعا لا باجتهاد.
ينظر : درر الحكام (١٠ / ٢٧٠) ، ومغني المحتاج (٤ / ٥٣) ، والمغني (٨ / ٣٦٧) ، والكافي (٢ / ١١٠٨) ، والإشراف (٢ / ٢٠٠) ، تكملة فتح القدير (١٠ / ٢٧٠).
(١) العاقلة : صفة موصوف محذوف ، أي : الجماعة العاقلة. يقال : عقل القتيل ؛ فهو عاقل : إذا غرم ديته ، والجماعة : عاقلة ، وسميت بذلك ؛ لأن الإبل تجمع ، فتعقل بفناء أولياء المقتول ، أي : تشد في عقلها ؛ لتسلم إليهم ويقبضوها ؛ ولذلك سميت الدية عقلا وقيل : سميت بذلك ؛ لإعطائها العقل الذي هو الدية ، وقيل : سموا بذلك لكونها يمنعون عن القتل ، وقيل : لأنهم يمنعون من يحملونها عنه ـ من الجناية ؛ لعلمهم بحملها.
ينظر : المطلع ص (٣٦٨).
(٢) ذكره بنحوه أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٣٣٨).
(٣) في ب : ينجاه.
(٤) في أ : بالقرب.
(٥) أخرجه أحمد (٤ / ٢٧٥) ، والبيهقي (٨ / ٤٢) كتاب الجنايات : باب عمد القتل بالسيف أو السكين ـ