يجعل القصاص لحقه ، بل الأولى أن يجعل لا محالة للردع (١) والزجر ؛ مع ما كان معلوما أن نفس القتيل لا [تنتفع بالقصاص](٢) ، بل إنما نفعها في أن يبقى ؛ لخوف القصاص ممن يروم قتله ؛ إشفاقا على نفسه ، وليس ذلك المعنى في أمر الدية بشيء ، وإنما توجب بعد الوفاة ، ولم تجب من وجه يتولد منه الغضاضة والعداوة التي لديها سفك الدماء على حق تخصيص الدماء لما هي تجب بالخطإ من وجه يعلم عذر من منه ذلك ، لكن الله ـ تعالى ـ بفضله بما جعل للمتصلين معونة في حياته ، وشرفا في كثرة الأقوام ، ونباهة في الدنيا ، مع ما يقع بها التناصر والتدافع الذي بمثله الدوام والقوام ؛ فيعظم في مثله مصيبة العقل وبخاصة من وجه لعله تسبق إليهم الأفعال في التلبيس على أهله بالخطإ ، وأن ذلك ليس بحق ؛ فيخاف وقوع الشر بينهم والعداوة التي تولد الفساد ؛ فجعل الله ـ بمنّه وفضله ـ لهم ما تطيب بمثله أنفسهم ، ويسكن (٣) المعنى الذي يخاف من حدوث الشر بينهم (٤) ، مع ما له (٥) جعل (٦) ما للخلق له ابتداء المحنة بما ذكر بلا سبب يسبق ، فهو بالسبب أحق ، وإذا جعل بهذا من الوجه الذي له حق الابتداء ، فله وضع ذلك في أموالهم ، منّ بإبقاء نفس القاتل لهم ما ذكرت من المنافع على ما جعل في ذلك ، وإن لم يرجع منفعة الواجب في ذلك إلى القتيل بما لا يعلم أنه يقتل ؛ ليجعل ذلك لوجه يتزود به لمعاده ، وإن حرم ذلك في دنياه ؛ فيصير المجعول في ذلك فيمن (٧) لهم وعليهم بالذي ذكرت من دفع الفساد ، والقيام بحق الإحسان.
ثم الأصل في إتلاف الأموال : أن منافعها عند القيام ومضارّها عند الإتلاف ترجع إلى أربابها خاصة ، والأنفس يرجع (٨) ما لها في ذلك إلى العشائر والمتصلين ؛ فعلى ذلك المجعول فيها مع ما كانت الأموال تملك ؛ فيصير من ضمنه كأنه اشتراه ، وكل مشترى بالتسليم إليه الخروج منه ؛ فلا يحتمل أن يضمن من لم يكن منه الجناية لما يسقط لو ضمن بعقد التسليم ، ولا على ذلك أمر جنايات الأنفس ؛ فجائز في حق الشرع الموضوع
__________________
(١) في أ : للورع.
(٢) في أ : ينتفع بها.
(٣) في ب : وليكن.
(٤) في ب : منهم.
(٥) في الأصول : لهم.
(٦) في أ : جميع.
(٧) في ب : ممن.
(٨) في ب : ترجع.