واحد منهم الكفارة على التمام ؛ لما انفرد كلّ بما لزمه من الحق بدينه في التضييع ؛ وعلى هذا قولهم في المحرمين يقتلون الصيد : إن كل واحد منهم جنى على إحرامه الذي لم يتصل إحرامه بإحرام غيره ، على أن النفس إذ هي لا تحتمل التجزئة ؛ لم يتجزأ المجعول لها ، وعلى ذلك أمر القصاص ، والدية ، لم تجب في الحقيقة للنفس ؛ إذ هي قد تجب لما دونها فيما يحتمل التجزئة أكثر مما يجب للنفس ، وإذا بلغت النفس فسقط بعض ما له منها حكم الوجوب ، ولما هي ترجع إلى غير الجاني.
ومحال أخذ الكل ممن يرجع إليه بالكل بما يكون في طلب التخفيف الإجحاف وإهلاك الخلق ، ولما كان حق النفس من حيث القتل في المال يختلف ، ومن حيث القصاص والكفارة لا تثبت أن المرجع في هذين إلى أحوال في نفس القاتلين من دين يضيع حقه أو امتناع عن احتمال التجزئة أو إحياء أريد بالموضوع ، ولو لم يجعل في الجماعة لذهب فائدة الإحياء ؛ إذ الوجود بالآحاد غير فيبطل الإحياء في أبلغ أحوال الحاجة إليه ، ثم إذا رجع أمر الكفارة إلى من تولى قتله وقد سبق عليه أمر الدية ، كقوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) بمعنى : عليه تحرير ما ذكر ، وقد أوجب عليه ، وعلى ذلك جميع ما في القرآن من الأمر على إثر الأسباب.
ثم نسق على ذلك بقوله : (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) فحقها أن تكون عليه والخبر الوارد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أمر العقل الذي توارثته الأمة إلى يومنا هذا ، بل الأمم ، حتى كأن قد ظهر عن أمر الرسل (١) السالفة بحق التواتر في المؤمنين (٢) بهم والمنكرين لهم ؛ فكان ذلك بحق التعاون ؛ ولذلك قال أصحابنا ـ رحمهمالله ـ في الذين لا عاقلة لهم : تجب الدية (٣) في أموالهم. وعلى ذلك فيما يظهر بأقاويلهم دون البينات وهو الحق ؛ إذ فيما يجب فيه القصاص أنفسهم تتلف ، فعلى ذلك الدية.
والأصل في ذلك : أن معنى القصاص معقول أيد الذي ذكره الله ـ تعالى ـ في القرآن من قوله : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩] فلا معنى لصرف ذلك إلى غير المتولى ؛ لما يذهب الحياة.
وجائز شرع ذلك بحق العقل ؛ لينزجر الناس به ، ولتسلم لهم الحياة التي (٤) هي ألذ الأشياء ؛ إذ بها تعرف اللذات كلها ، وذلك المعنى ليس نفس القتيل أحق من غيره من أن
__________________
(١) في أ : الرسول.
(٢) في ب : المؤمن.
(٣) في ب : بالدية.
(٤) في ب : الذي.