واحد منهما إذا كان الآخر حاضرا ؛ فكأنهما اشتركا في صحته ؛ فصارا به متبايعين ، نحو قوله : [حتى يتفرقا] ، والتفرق اسم لفعل اثنين ، لكن أحدهما إذا فارق مكان البيع والآخر لم يفارقه ـ فقد وجد حق التفرق من أن ليس أحدهما بجنب الآخر ؛ فكأنهما اشتركا في التفرق وإن لم يوجد الفعل من أحدهما ، والله أعلم.
وقوله ـ جل وعزّ ـ : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)
يحتمل وجهين :
أي : لا يقتل بعضكم بعضا ؛ فإنه إذا قتل آخر يقتل به ؛ فكأنه هو الذي قتل نفسه ؛ إذ لو لا قتله إياه وإلا لم يقتل به.
والثاني : أنه أضاف القتل إلى أنفسهم ؛ لأنهم كلهم كنفس واحدة ؛ إذ كلهم من جنس واحد ، ومن جوهر واحد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً)(١)
أي : من رحمته : أن جعل لكم فيما بينكم القصاص ، وأخذ النفس بالنفس ، والمال بالمال ، وفي ذلك حياة أنفسكم ، وإبقاء أموالكم.
ومن رحمته ـ أيضا ـ : أن جعلكم من جوهر واحد ؛ إذ كل ذي جوهر يألف بجوهره ، ويسكن إليه ، والله أعلم.
ومن رحمته : أرسل إليكم الرسل ، وأنزل عليكم الكتب ، وأوضح لكم السبل.
ومن رحمته : أن أمهل لكم ، وستر عليكم ، ودعاكم إلى المتاب.
ومن رحمته : دفع عنكم الآفات ، وأوسع لكم الرزق ، وبالمؤمنين خاصة برحمته اهتدوا ، وسلموا عن كل داء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً) [النساء : ٣٠] عدوانا لمجاوزته حدود الله ، وظلما على صاحبه. والعدوان هو التعدي (٢) والمجاوزة عن حدود الله ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ) [البقرة : ٢٢٩].
ويحتمل قوله : (وَظُلْماً) على نفسه ؛ كقوله (٣) ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ
__________________
(١) قال القاسمي (٥ / ١١٥) : قال السيوطي في «الإكليل» : في الآية تحريم أكل المال الباطل بغير وجه شرعي وإباحة التجارة والربح فيها. وأن شرطها التراضي ومن هاهنا أخذ الشافعي ـ رحمهالله ـ اعتبار الإيجاب والقبول لفظا لأن التراضي أمر قلبي فلا بد من دليل عليه ، وقد يستدل بها من لم يشترطهما إذا حصل الرضا.
(٢) في أ : هو اسم التعدي.
(٣) في ب : وكقوله.