ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق : ١] وقوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة : ٢٢٩] ، وقوله ـ تعالى ـ : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة : ٣٦].
وهذا الوعيد ـ والله أعلم ـ لما يفعل ذلك مستخفّا بحدود الله واستحلالا (١) منه لذلك ؛ وإلا لو كان ذلك على غير وجه الاستخفاف بها والاستحلال لها ـ لم يستوجب هذا الوعيد ؛ ألا ترى أنه قال ـ تعالى ـ : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) ثم قال ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) إنما جاء هذا في قتلى العمد ، ثم أبقى الأخوة فيما بينهما ، وأخبر أن ذلك تخفيف منه ورحمة ، وفيما كان الفعل منه فعل الاستخفاف والاستحلال لا يجوز أن يكون فيه منه رحمة ، ويخلد في النار ؛ وعلى ذلك يخرج قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) [النساء : ٩٣] إذا قتله مستحلا له مستخفّا بتحريم الله إياه ؛ فاستوجب هذا الوعيد ، وأما (٢) من فعل على غير الاستحلال والاستخفاف بحدوده فالحكم فيه ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ تعالى ، أيضا ـ : (عُدْواناً وَظُلْماً) يحتمل : الاستحلال ؛ دليله قوله ـ عزوجل ـ : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) ثم قال ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) [البقرة : ١٧٨] ، وقال : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) فأبقى الأخوة التي كانت بقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ؛ فثبت أن الإيمان بعد باق فأبقى له الرحمة والأخوة ، وهاهنا زال ؛ لذلك افترقت الآيتان.
والثاني : أنه وعد اختلافهم ، ولم يذكر الخلود ، وجائز تعذيبه في الحكمة والتنازع في الخلود لا غير.
والأصل في هذا ونحوه : أنه لم يتنازع أن يكون فعله الذي فيه الوعيد إن كان ثمّ خلود ، فهو الذي يزيل عنه اسم الإيمان ، ويبطل عنه حق فعله ، وإنما التنازع في إبقاء اسم الإيمان في لزوم الوعيد ؛ فهي فيمن لم يبق له الاسم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ)
اختلف فيه :
قال بعضهم : كبائر الشرك ؛ لأن كبائر الشرك أنواع ، منها : الإشراك بالله ، ومنها جحود الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ، ومنها : الجحود ببعض الرسل ، عليهمالسلام ، ومنها : جحود العبادات ، واستحلال المحرمات ، وتحريم المحللات ، وغير ذلك ، وكل ذلك
__________________
(١) في أ : إضلالا.
(٢) في ب : فأما.