السدود ، فتصدعت ، واجتاحت المياه أراضيهم فأفسدتها ، واكتسحت مساكنهم ، فتفرقوا عنها ، ومزقوا شر ممزق ، وضربت بهم الأمثال التي منها قولهم : تفرقوا أيدى سبأ. وهو مثل يضرب لمن تفرق شملهم تفرقا لا اجتماع لهم معه.
وهذا ما حدث لقبيلة سبأ ، فقد تفرق بعضهم إلى المدينة المنورة كالأوس والخزرج ، وذهب بعضهم إلى عمان كالأزد ، وذهب بعضهم إلى الشام كقبيلة غسان.
وقوله : (ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) الأكل : هو الثمر ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ) أى : ثمرها. والخمط : هو ثمر الأراك أو هو النبت المر الذي لا يمكن أكله.
و (الأثل) هو نوع من الشجر يشبه شجر الطرفاء. أو هو نوع من الشجر كثير الشوك و (السدر) هو ما يعرف بالنبق. أو هو نوع من الثمار التي يقل الانتفاع بها.
والمعنى : فأعرض أهل سبأ عن شكرنا وطاعتنا ... فكانت نتيجة ذلك ، أن أرسلنا عليهم السيل الجارف ، الذي اجتاح أراضيهم ، فأفسد مزارعهم ، وأجلاهم عن ديارهم ، ومزقهم شر ممزق .. وبدلناهم بالجنان اليانعة التي كانوا يعيشون فيها ، بساتين أخرى قد ذهبت ثمارها الطيبة اللذيذة ، وحلت محلها ثمار مرة لا تؤكل ، وتناثرت في أماكنهم الأشجار التي لا تسمن ولا تغنى من جوع ، بدلا من تلك الأشجار التي كانت تحمل لهم ما لذ وطاب ، وعظم نفعه.
فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن الجحود والبطر ، يؤديان إلى الخراب والدمار ، وإلى زوال النعم وتحويلها إلى نقم.
ولذا جاء التعقيب بعد هذه الآية بقوله ـ تعالى ـ : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ).
أى : ذلك الذي فعلناه بهم من تبديل جنتيهم ، بجنتين ذواتي أكل خمط .. هو الجزاء العادل لهم بسبب جحودهم وترفهم وفسوقهم عن أمرنا.
وإننا من شأننا ومن سنتنا أننا لا نعاقب ولا نجازي هذا الجزاء الرادع الشديد ، إلا لمن جحد نعمنا ، وكفر بآياتنا ، وآثر الغي على الرشد ، والعصيان على الطاعة.
فاسم الإشارة يعود إلى التبديل الذي تحدثت عنه الآية السابقة. وهو المفعول الثاني لجزيناهم مقدم عليه. أى : جزيناهم ذلك التبديل لا غيره. والمراد بالجزاء هنا : العقاب.
قال صاحب الكشاف : قوله : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) بمعنى : وهل يعاقب.
وهو الوجه الصحيح. وليس لقائل أن يقول : لم قيل : وهل يجازى إلا الكفور ، على اختصاص الكفور بالجزاء ، والجزاء عام للمؤمن والكافر ، لأنه لم يرد الجزاء العام وإنما أريد