والمعنى : والله لقد كان لقبيلة سبأ في مساكنهم التي يعيشون فيها (آيَةٌ) بينة واضحة ، وعلامة ظاهرة تدل على قدرة الله ـ تعالى ـ وعلى فضله على خلقه وعلى وجوب شكره على نعمه ، وعلى سوء عاقبة الجاحدين لهذه النعم.
فالمراد بالآية : العلامة الواضحة الدالة على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته وبديع صنعه ، ووجوب شكره ، والتحذير من معصيته.
ثم وضح ـ سبحانه ـ هذه الآية فقال : (جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) أى : كانت لأهل سبأ طائفتان من البساتين والجنان : طائفة من يمين بلدهم ، وطائفة أخرى عن شماله.
وهذه البساتين المحيطة بهم كانت زاخرة بما لذ وطاب من الثمار.
قالوا : كانت المرأة تمشى تحت أشجار تلك البساتين وعلى رأسها المكتل ، فيمتلئ من أنواع الفواكه التي تتساقط في مكتلها دون جهد منها.
ولفظ (جَنَّتانِ) مرفوع على البدل من (آيَةٌ) أو على أنه مبتدأ ، وخبره قوله : (عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ).
وقوله ـ تعالى ـ : (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ.) .. مقول لقول محذوف.
أى : وقلنا لهم على ألسنة رسلنا ، وعلى ألسنة الصالحين منهم ، كلوا من الأرزاق الكريمة ، والثمار الطيبة ، التي أنعم بها ربكم عليكم ، واشكروا له ـ سبحانه ـ هذا العطاء ، فإنكم إذا شكرتموه زادكم من فضله وإحسانه.
وقوله : (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) كلام مستأنف لبيان موجبات الشكر.
أى : هذه البلدة التي تسكنونها بلدة طيبة لاشتمالها على كل ما تحتاجونه من خيرات ، وربكم الذي أعطاكم هذه النعم ، رب واسع المغفرة والرحمة لمن تاب إليه وأناب ، ويعفو عن كثير من ذنوب عباده بفضله وإحسانه.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما أصابهم بسبب جحودهم وبطرهم فقال : (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ ، وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ ، وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ).
والعرم : اسم للوادي الذي كان يأتى منه السيل. وقيل : هو المطر الشديد الذي لا يطاق.
فيكون من إضافة الموصوف إلى الصفة. أى : أرسلنا عليهم السيل الشديد المدمر.
ويرى بعضهم أن المراد بالعرم : السدود التي كانت مبنية لحجز الماء من خلفها ، ويأخذون منها لزروعهم على قدر حاجتهم ، فلما أصيبوا بالترف والجحود تركوا العناية بإصلاح هذه