ما أمرناه به ، أو نهيناه عنه ، فلا يخفى علينا أمره ، وسنجازيه يوم القيامة بما يستحقه.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أى : وفوض أمرك إليه ـ عزوجل ـ وحده.
(وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) أى : وكفى بربك حافظا لك ، وكفيلا بتدبير أمرك.
فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد تضمنت ثلاثة أوامر : تقوى الله ، واتباع وحيه ، والتوكل عليه ـ تعالى ـ وحده. كما تضمنت نهيه صلىاللهعليهوسلم عن طاعة الكافرين والمنافقين. وباتباع هذه الأوامر والنواهي ، يسعد الأفراد ، وتسعد الأمم.
ثم أبطل ـ سبحانه ـ بعض العادات التي كان متفشية في المجتمع ، وكانت لا تتناسب مع شريعة الإسلام وآدابه ، فقال ـ تعالى ـ :
(ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(٥)
قال القرطبي ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) نزلت في رجل من قريش اسمه جميل بن معمر الفهري ، كان حفاظا لما يسمع ، وكان يقول : لي قلبان أعقل بهما أفضل من عقل محمد. فلما هزم المشركون يوم بدر ، ومعهم هذا الرجل ، رآه أبو سفيان وهو معلق إحدى نعليه في يده والأخرى في رجله ـ من شدة الهلع ـ ، فقال له أبو سفيان : ما حال الناس؟ قال : انهزموا. فقال له : فما بال إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ قال : ما شعرت إلا أنهما في رجلي. فعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسى نعله في يده.