والتعبير بإذا الفجائية في قوله (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) ، للإشارة إلى سرعة يأسهم من رحمة الله ـ تعالى ـ حتى ولو كانت المصيبة هينة بسيرة ، وذلك لضعف يقينهم وإيمانهم. إذ القنوط من رحمة الله ، يتنافى مع الإيمان الحق.
ثم عقب ـ سبحانه ـ على أحوالهم هذه ، بالتعجيب من شأنهم ، وبالتقريع لهم على جهلهم ، فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ).
أى : أجهل هؤلاء الناس الذين لم يخالط الإيمان قلوبهم ، ولم يشاهدوا بأعينهم أن الله ـ تعالى ـ بمقتضى حكمته ، يوسع الرزق لمن يشاء من عباده. ويضيقه على من يشاء منهم ، لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ، ولا يسأل عما يفعل.
إن واقع الناس يشهد ويعلن : أن الله ـ تعالى ـ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، فما لهؤلاء القوم ينكرون هذا الواقع بأفعالهم القبيحة ، حيث إنهم يبطرون عند السراء ، ويقنطون عند الضراء؟ فالمقصود بالآية الكريمة توبيخهم على عدم فهمهم لسنن الله في خلقه.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أى : إن في ذلك الذي ذكرناه لكم من أحوال الناس ، ومن قدرتنا على كل شيء (لَآياتٍ) واضحات ، وعبر بينات ، لقوم يؤمنون بما أرشدناهم إليه ، ويعملون بما يقتضيه إيمانهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما يجب على المسلم بالنسبة للمال الذي وهبه الله إياه ، فقال ـ تعالى ـ :
(فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ