أى : أن من صفات هؤلاء المحسنين ، أنهم يؤدون الصلاة بخشوع وإخلاص ، ويقدمون زكاة أموالهم لمستحقيها ، وهم بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب ، يوقنون إيقانا قطعيا ، لا أثر فيه للادعاءات الكاذبة ، والأوهام الباطلة.
وفي إيراد «هم» قبل لفظ الآخرة. وقبل لفظ يوقنون : تعريض بغيرهم ممن كان اعتقادهم في أمر الآخرة غير مطابق للحقيقة ، أو غير بالغ مرتبة اليقين.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك الثمار الطيبة التي ترتبت على تلك الصفات الكريمة ، فقال ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
والمفلحون : من الفلاح وهو الظفر والفوز بدرك البغية. وأصله من الفلح ـ بسكون اللام ـ وهو الشق والقطع ، ومنه فلاحة الأرض وهو شقها للحرث ، واستعمل منه الفلاح في الفوز ، كأن الفائز شق طريقه وفلحه ، للوصول إلى مبتغاه ، أو انفتحت له طريق الظفر وانشقت.
والمعنى : أولئك المتصفون بما تقدم من صفات كريمة ، على هداية عظيمة من ربهم توصلهم إلى المطلوب ، وأولئك هم الفائزون بكل مرغوب.
والتنكير في قوله (عَلى هُدىً) للتعظيم ، وأتى بلفظ «على» للاشارة إلى التمكن والرسوخ ، ووصفه بأنه (مِنْ رَبِّهِمْ) لأنه ـ سبحانه ـ هو الذي وفقهم إليه ، ويسر لهم أسبابه.
ثم بين ـ سبحانه ـ حال طائفة أخرى من الناس ، كانوا على النقيض من سابقيهم ، فقال :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٧)
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات اشهرها ، أنهما نزلتا في النضر بن الحارث. اشترى قينة ـ أى مغنية ـ ، وكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى