فإذا ما نزل بساحتهم قالوا ـ على سبيل التحسر والندم ـ : هل نحن منظرون.
اعلم ـ أيها الرسول الكريم ـ أننا حتى لو أمهلناهم وأخرناهم ، ثم جاءهم عذابنا بعد ذلك ، فإن هذا التمتع الذي عاشوا فيه. وذلك التأخير الذي لو شئنا لأجبناهم إليه .. كل ذلك لن ينفعهم بشيء عند حلول عذابنا ، بل عند حلول عذابنا بهم سينسون ما كانوا فيه من متاع ومن نعيم ومن غيره.
قال الإمام ابن كثير : وفي الحديث الصحيح : يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ثم يقال له : هل رأيت خيرا قط؟ هل رأيت نعيما قط؟ فيقول : لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤسا كان في الدنيا ، فيصبغ في الجنة صبغة ، ثم يقال له : هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول : لا والله يا رب.
ولهذا كان عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ يتمثل بهذا البيت :
كأنك لم تؤتر من الدهر ليلة |
|
إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب (١) |
ثم بين ـ سبحانه ـ سنته التي لا تتخلف فقال : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ ، ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ).
وقوله : (ذِكْرى) مفعول لأجله ، فيكون المعنى : لقد اقتضت سنتنا وعدالتنا. أننا لا نهلك قرية من القرى الظالم أهلها ، إلا بعد أن نرسل في أهل تلك القرى رسلا منذرين ، لكي يذكروهم بالدين الحق .. وليس من شأننا أن نكون ظالمين لأحد ، بل من شأننا العدالة والإنصاف ، وتقديم النصيحة والإرشاد والإنذار للفاسقين عن أمرنا ، قبل أن ننزل بهم عذابنا.
وشبيه بهاتين الآيتين قوله ـ تعالى ـ : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا. وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) (٣).
ثم عادت السورة الكريمة إلى تأكيد أن هذا القرآن من عند الله ـ تعالى ـ وردت شبهات المشركين بأسلوب منطقي رصين ، قال ـ تعالى ـ : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ).
أى : إن هذا القرآن الكريم ، ما تنزلت به الشياطين ـ كما يزعم مشركو قريش ، حيث
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ١٧٤.
(٢) سورة الإسراء الآية ١٥.
(٣) سورة القصص الآية ٥٩.