رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً)(٣٥)
الاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) للتقرير ، لأن الله ـ تعالى ـ عالم بما في يمين موسى ، فالمقصود من هذا السؤال اعتراف موسى وإقراره بأن ما في يده إنما هي عصا فيزداد بعد ذلك يقينه بقدرة الله ـ تعالى ـ عند ما يرى العصا التي بيمينه قد انقلبت حية تسعى.
قال صاحب الكشاف : إنما سأله ـ سبحانه ـ ليريه عظم ما يخترعه ـ عز وعلا ـ في الخشبة اليابسة من قلبها حية نضاضة ـ أى تحرك لسانها في فمها ـ ، وليقرر في نفسه المباينة البعيدة بين المقلوب عنه ، والمقلوب إليه ، وينبهه على قدرته الباهرة. ونظيره أن يريك الزراد زبرة من حديد ـ أى قطعة من حديد ـ ويقول لك : ما هي؟ فتقول : زبرة حديد. ثم يريك بعد أيام لبوسا مسردا فيقول لك : هي تلك الزبرة صيرتها إلى ما ترى من عجيب الصنعة ، وأنيق السرد .. (١).
والآية الكريمة : شروع في بيان ما كلف الله ـ تعالى ـ به عبده موسى ـ عليهالسلام ـ من الأمور المتعلقة بالخلق ، إثر حكاية ما أمر ـ سبحانه ـ به موسى من إخلاص العبادة له ، والإيمان بالساعة وما فيها من حساب وثواب وعقاب.
والمعنى : وأى شيء بيدك اليمنى يا موسى؟ فأجاب موسى بقوله ـ كما حكى القرآن عنه (قالَ هِيَ عَصايَ) أى : الشيء الذي بيميني هو عصاي .. ونسبها إلى نفسه لزيادة التحقق والتثبت من أنها خاصة به وكائنة بيده اليمنى.
ثم بين وظيفتها فقال : (أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها) أى : أعتمد عليها لتساعدنى في حال السير (وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي) أى : وأضرب بها الشجر اليابس ليسقط ، ورقة فترعاه أغنامى. يقال هش فلان الشجرة بالعصا ـ من باب رد ـ فهو يهشها هشا ، إذا ضربها بعصاه أو بما يشبهها ليتساقط ورقها. ومفعول أهش محذوف. أى : وأهش بها الشجر والورق.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٥٧.