وشبيه بهذه الآية في الرد على هؤلاء الكافرين قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى. إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (٢).
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يضيف إلى تهديدهم السابق تهديدا آخر فقال : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا ..).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الكافرين المتفاخرين بمساكنهم ومظاهرهم .. قل لهم : من كان منغمسا في الضلالة والشقاوة والغفلة .. فقد اقتضت حكمة الله ـ تعالى ـ أن يمد له العطاء كأن يطيل عمره ويوسع رزقه ، على سبيل الاستدراج والإمهال ..
فصيغة الطلب وهي قوله ـ تعالى ـ : (فَلْيَمْدُدْ) على هذا التفسير ، المراد بها : الإخبار عن سنة من سنن الله ـ تعالى ـ في خلقه ، وهي أن سننه ـ تعالى ـ قد اقتضت أن يمهل الضالين ، وأن يزيدهم من العطاء الدنيوي ، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
قال ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ. فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣).
وقال ـ سبحانه ـ : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٤).
وقد صدر الآلوسى تفسيره للآية بهذا التفسير فقال ما ملخصه : قوله (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ ...) أمر منه ـ تعالى ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يجيب على هؤلاء المتفاخرين بما لهم من الحظوظ الدنيوية ..
وقوله : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) أى : يمد ـ سبحانه ـ له ويمهله بطول العمر ، وإعطاء المال ، والتمكن من التصرفات ، فالطلب في معنى الخبر واختير للإيذان بأن ذلك مما ينبغي أن يفعل بموجب الحكمة لقطع المعاذير فيكون حاصل المعنى : من كان في الضلالة فلا عذر له فقد أمهله الرحمن ومد له مدا وجوز أن يكون ذلك للاستدراج.
__________________
(١) سورة سبأ : الآية ٣٧.
(٢) سورة القلم الآيتان ٤٤ ، ٤٥.
(٣) سورة الأنعام الآيتان ٤٤ ، ٤٥.
(٤) سورة آل عمران الآية ١٧٨.