يتحسر الظالمون على تفريطهم في طاعة الله ، ولكن هذا التحسر لن ينفعهم ، لأن حكم الله قد نفذ فيهم وقضى الأمر بنجاة المؤمنين ، وبعذاب الفاسقين ، وذهب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.
وقوله : (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) حال من الضمير المنصوب في (أَنْذِرْهُمْ).
أى : أنذرهم لأنهم في حالة يحتاجون فيها إلى الإنذار وهي الغفلة وعدم الإيمان.
هذا ، وقد جاء في الحديث الصحيح ما يدل على أن المراد بقوله ـ تعالى ـ (إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ).
أى : ذبح الموت. فقد روى البخاري عن أبى سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادى مناد : يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون ، فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم. هذا الموت وكلهم قد رآه. ثم ينادى يا أهل النار ، فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم. هذا الموت وكلهم قد رآه. فيذبح. ثم يقول : يا أهل الجنة خلود بلا موت ، ويا أهل النار خلود بلا موت. ثم قرأ صلىاللهعليهوسلم (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١).
ثم ساق ـ سبحانه ـ ما يدل على كمال قدرته ، وشمول ملكه فقال : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها ..) أى : إنا نحن وحدنا الذين نميت جميع الخلائق الساكنين بالأرض ، فلا يبقى لأحد غيرنا من سلطان عليهم أو عليها ، وهؤلاء الخلائق جميعا (وَإِلَيْنا) وحدنا (يُرْجَعُونَ) يوم القيامة ، فنحاسبهم على أعمالهم.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ).
وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حدثتنا عن جانب من قصة زكريا ويحيى ، وعن قصة مريم وعيسى ، حديثا يهدى إلى الرشد ، ويزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم ، ويقذف بحقه على باطل المبطلين فيدمغه فإذا هو زاهق.
ثم أوردت السورة الكريمة القصة الثالثة وهي قصة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وما دار بينه وبين أبيه من حوار. قال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٣ ص ١٢٢.