وقوله ـ تعالى ـ : (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) أى : واعبدوا ربكم الذي تولاكم برعايته وتربيته في كل مراحل حياتكم ، عبادة خالصة لوجهه الكريم.
وقوله : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) تعميم بعد التخصيص ، إذ فعل الخير يشمل كل قول وعمل يرضى الله ـ تعالى ـ : كإنفاق المال في وجوه البر ، وكصلة الرحم وكالإحسان إلى الجار وكغير ذلك من الأفعال التي حضت عليها تعاليم الإسلام.
وقوله ـ تعالى ـ : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تذييل قصد به التحريض على امتثال ما أمرهم الله ـ تعالى ـ به ، والفلاح : الظفر بالمطلوب.
أى : أدوا الصلاة بخشوع ومواظبة ، واعبدوا ربكم عبادة خالصة ، وافعلوا الخير الذي يقربكم من خالقكم ، لكي تنالوا رضاه وثوابه ـ عزوجل ـ.
فكلمة «لعل» للتعليل ، ويصح أن تكون على معناها الحقيقي وهو الرجاء ، ولكن على تقدير صدوره من العباد ، فيكون المعنى : وافعلوا الخير حالة كونكم راجين الفلاح ، ومتوقعين الفوز والنجاح.
والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها أنها قد جمعت أنواع التكاليف الشرعية ، وأحاطت بها من كل جوانبها.
قال الآلوسى ما ملخصه : وهذه الآية آية سجدة عند الشافعى وأحمد ، لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود ، ولحديث عقبة بن عامر قال : قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال : نعم فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما.
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنها ليست آية سجدة ، لأنها مقرونة بالأمر بالركوع ، والمعهود في مثله من القرآن ، كونه أمرا بما هو ركن للصلاة ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) وما روى من حديث عقبة إسناده ليس بالقوى (١).
وبعد أن أمر ـ سبحانه ـ بالصلاة وبالعبادة وبفعل الخير ، أتبع ذلك بالأمر بالجهاد فقال ـ تعالى ـ : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ).
والجهاد مأخوذ من الجهد ، وهو بذل أقصى الطاقة في مدافعة العدو.
وهي أنواع ، أعظمها : جهاد أعداء الله ـ تعالى ـ من الكفار والمنافقين والظالمين والمبتدعين في دين الله ـ تعالى ـ ما ليس منه.
كذلك من أنواع الجهاد : جهاد النفس الأمارة بالسوء ، وجهاد الشيطان.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ٢٠٨.