والمقامع : جمع مقمعة ـ بكسر الميم وسكون القاف وفتح الميم الثانية ـ ، وهي آلة تستعمل في القمع عن الشيء ، والزجر عنه ، يقال : قمع فلان فلانا إذا قهره وأذله.
أى : وخصصت لهؤلاء الكافرين مضارب من حديد تضربهم بها الملائكة على رءوسهم زيادة في إذلالهم وقهرهم.
وقيل : إن الضمير في «لهم» يعود على خزنة النار. أى : ولخزنة النار مضارب من حديد يضربون بها هؤلاء الكافرين.
وعلى كلا القولين فالآية الكريمة تصور هوان هؤلاء الكافرين أكمل تصوير.
وقوله ـ سبحانه ـ : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها) بيان لما يقابلون به عند ما يريدون التزحزح عن النار.
أى : كلما أراد هؤلاء الكافرون أن يخرجوا من النار ومن غمها وكربها وسعيرها : أعيدوا فيها مرة أخرى ، كما قال ـ تعالى ـ : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) مقول لقول محذوف أى : أعيدوا فيها وقيل لهم على لسان خزنة النار : ذوقوا العذاب المحرق لأبدانكم.
هذا هو حال فريق الكافرين. وهو حال يزلزل القلوب ويرهب المشاعر ، ويفزع النفوس.
ولكن القرآن كعادته في قرن الترهيب بالترغيب. لا يترك النفوس في هذا الفزع ، بل يتبع ذلك بما يمسح عنها خوفها ورعبها عن طريق بيان حسن حال المؤمنين فيقول : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ...).
وغير ـ سبحانه ـ الأسلوب فلم يقل : والذين آمنوا على سبيل العطف على الذين كفروا .. تعظيم لشأن المؤمنين ، وإشعار بمباينة حالهم لحال خصمائهم الكافرين.
أى : إن الله ـ تعالى ـ بفضله وإحسانه يدخل عباده الذين آمنوا وعملوا في دنياهم الأعمال الصالحات ، جنات عاليات تجرى من تحت أشجارها وثمارها الأنهار.
وقوله (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ) بيان لما ينالون في تلك الجنات من خير وفير ، وعطاء جزيل.
__________________
(١) سورة المائدة الآية ٣٧.