قال صاحب الكشاف : «على حرف» أى : على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه. وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم : لا على سكون وطمأنينة ، كالذي يكون على طرف من العسكر ، فإن أحس بظفر وغنيمة قر واطمأن ، وإلا فر وطار على وجهه ...» (١).
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها : ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال : كان الرجل يقدم المدينة ، فإذا ولدت امرأته غلاما ، ونتجت خيله. قال : هذا دين صالح ، وإن لم تلد امرأته ، ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء ...» (٢).
والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها قد صورت المذبذبين في عقيدتهم أكمل تصوير ، فهم يقيسون العقيدة بميزان الصفقات التجارية ، إن ربحوا من ورائها فرحوا ، وإن خسروا فيها أصابهم الغم والحزن.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ في شأن المنافقين : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) (٣).
والتعبير بقوله ـ سبحانه ـ (عَلى حَرْفٍ) يصور هذا النوع من الناس ، وكأنه يترجح في عبادته كما يترجح من يكون على طرف الشيء. فهو معرض للسقوط في أية لحظة.
والمراد من الخير في قوله ـ تعالى ـ (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ) الخير الدنيوي من صحة وغنى ومنافع دنيوية.
أى : فإن نزل بهذا المذبذب في عبادته خير دنيوى (اطْمَأَنَّ بِهِ) أى : ثبت على ما هو عليه من عبادة ثباتا ظاهريا ، وليس ثباتا قلبيا حقيقيا كما هو شأن المؤمنين الصادقين الذين لا يزحزحهم عن إيمانهم وعد أو وعيد.
(وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) أى : مصيبة أو شر (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) أى : ارتد ورجع عن عبادته ودينه إلى الكفر والمعاصي.
وقوله ـ تعالى ـ : (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) بيان لسوء عاقبة صنيعه.
أى : هذا الذي يعبد الله على حرف ، جمع على نفسه خسارتين ، خسارة الدنيا بسبب عدم حصوله على ما يريده منها ، وخسارة الآخرة بسبب ارتداده إلى الكفر وغشيان السيئات ،
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٤٦.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ١٢٤.
(٣) سورة التوبة الآية ٥٨.