مفرد جاء بصيغة الجمع ، أو جمع لا واحد له ، أو جمع شدة ـ كأنعم ونعمة ـ.
قال الآلوسى : «والجملة علة لنخرجكم ، وهي معطوفة على علة أخرى مناسبة لها.
كأنه قيل : ثم نخرجكم لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا أشدكم ، أى كمالكم في القوة والعقل والتمييز .. وقيل : علة لمحذوف. والتقدير : ثم نمهلكم لتبلغوا أشدكم ...
وتقديم التبيين «لنبين لكم» على ما بعده ، مع أن حصوله بالفعل بعد الكل ، للإيذان بأنه غاية الغايات ومقصود بالذات.
وإعادة اللام في «لتبلغوا» مع تجريد «نقر ، ونخرج» عنها ، للإشعار بأصالة البلوغ بالنسبة إلى الإقرار والإخراج إذ عليه يدور التكليف المؤدى إلى السعادة والشقاوة» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) بيان للطور السابع والأخير.
أى : منكم ـ أيها الناس ـ من يبلغ أشده في هذه الحياة ، ومنكم من يموت قبل ذلك ، ومنكم من يعيش إلى أرذل العمر أى : أخسه وأدونه ، فيصير من بعد علمه بالأشياء وفهمه لها ، لا علم له ولا فهم ، شأنه في ذلك شأن الأطفال.
قال ـ تعالى ـ : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) فالآية الكريمة تصور أطوار خلق الإنسان ومراحل حياته أكمل تصوير ، للتنبيه على مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ وعلى أن البعث حق وصدق.
وبعد إقامة هذا الدليل من نفس الإنسان وتطور خلقه على صحة البعث ، ساق ـ سبحانه ـ الدليل الثاني عن طريق مشاهدة الأرض وتنقلها من حال إلى حال ، فقال ـ تعالى ـ (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ).
وقوله : (هامِدَةً) أى : يابسة ، يقال : همدت الأرض تهمد ـ بضم الميم ـ همودا ، إذا يبست.
ومعنى : «اهتزت» : تحركت ، يقال : هز فلان الشيء فاهتز ، إذا حركه فتحرك.
ومعنى : «ربت» زادت بسبب تداخل الماء والنبات فيها ، يقال : ربا الشيء يربو ربوا ، إذا زاد ونما ، ومنه الربا والربوة.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ١١٧.