يقال : قصى فلان عن فلان قصوا وقصوّا ، إذا بعد عنه. ويقال : فلان بمكان قصى ، أى : بعيد.
وجمهور العلماء على أن هذا المكان القصي ، كان بيت لحم بفلسطين.
قال ابن عباس : أقصى الوادي ، وهو وادي بيت لحم ، فرارا من قومها أن يعيروها بولادتها من غير زوج» (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما اعتراها من حزن عند ما أحست بقرب الولادة فقال : (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا).
وقوله : (فَأَجاءَهَا) أى : فألجأها ، يقال : أجأته إلى كذا ، بمعنى : ألجأته واضطرته إليه. ويقال : جاء فلان. وأجاءه غيره ، إذا حمله على المجيء ، ومنه قول الشاعر :
وجار سار معتمدا علينا |
|
أجاءته المخافة والرجاء |
قال صاحب الكشاف : «أجاء : منقول من جاء ، إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء. ألا تراك تقول : جئت المكان وأجاءنيه زيد ، كما تقول : بلغته وأبلغنيه ...» (٢).
والمخاض : وجع الولادة. يقال : مخضت المرأة ـ بكسر الخاء ـ تمخض ـ بفتحها ـ إذا دنا وقت ولادتها مأخوذ من المخض ، وهو الحركة الشديدة ، وسمى بذلك لشدة تحرك الجنين في بطن الأم عند قرب خروجه.
وجذع النخلة : ساقها الذي تقوم عليه.
أى : وبعد أن حملت مريم بعيسى ، وابتعدت به ـ وهو محمول في بطنها ـ عن قومها ، وحان وقت ولادتها. ألجأها المخاض إلى جذع النخلة لتتكئ عليه عند الولادة ...
فاعتراها في تلك الساعة ما اعتراها من هم وحزن وقالت : (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا) الحمل والمخاض الذي حل بي (وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) أى : وكنت شيئا منسيا متروكا ، لا يهتم به أحد ، وكل شيء نسى وترك ولم يطلب فهو نسى ونسىّ.
قال القرطبي : «والنّسى في كلام العرب : الشيء الحقير الذي من شأنه أن ينسى ولا يتألم لفقده كالوتد ، والحبل للمسافر. وقرئ : (نَسْياً) بكسر النون وهما لغتان مثل : الوتر والوتر ...» (٣).
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٥٧.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١١.
(٣) تفسير القرطبي ج ١١ ص ٩٢.