تُرابٍ) : أنه ـ سبحانه ـ خلق أباهم آدم منه ، ثم خلق من آدم زوجه حواء ، ثم خلق الناس منهما عن طريق التناسل.
فلما كان أصلهم الأول من تراب ، أطلق عليهم أنه خلقهم من تراب ؛ لأن الفروع تتبع الأصل. وعلى ذلك يكون خلقهم من تراب هو الطور الأول ..» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ الطور الثاني من أطوار خلق الإنسان فقال : (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) وهذا اللفظ مأخوذ من النطف ـ بفتح النون مع التشديد وإسكان الطاء ـ بمعنى السيلان والتقاطر. يقال : نطفت القربة ، إذا تقاطر الماء منها بقلة.
والنطفة تطلق في اللغة : على الماء القليل ، والمراد بها هنا : الماء المختلط من الرجل والمرأة عند الجماع ، والمعبر عنه بالمنى.
وقوله (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) هو الطور الثالث. والعلقة جمعها علق ، وهي قطعة من الدم جامدة ، تتحول إليها النطفة.
وقوله (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) هو الطور الرابع ، والمضغة قطعة صغيرة من اللحم تتحول إليها العلقة.
وقوله ـ سبحانه ـ (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) صفة للمضغة.
والمراد بالمخلقة : التامة الخلقة ، السالمة من العيوب ، والمراد بغير المخلقة : ما ليست كذلك كأن تكون ناقصة الخلقة.
وقد اكتفى بهذا المعنى صاحب الكشاف فقال : «والمخلقة» المستواة الملساء من النقصان والعيب : يقال : خلق السواك والعود ، إذا سواه وملسه ، من قولهم : صخرة خلقاء ، إذا كانت ملساء. كأن الله ـ تعالى ـ يخلق المضغ متفاوتة. منها. ما هو كامل الخلقة أملس من العيوب ، ومنها ما هو على عكس ذلك ، فيتبع ذلك التفاوت ، تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم ...» (٢).
وقيل : «مخلقة» أى : مستبينة الخلق ، ظاهرة التصوير. «وغير مخلقة» أى : لم يستبن خلقها ولا ظهر تصويرها كالسقط الذي هو مضغة ولم تظهر صورته الإنسانية بعد.
وقيل : «مخلقة» أى : نفخ فيها الروح. «وغير مخلقة» أى : لم ينفخ فيها الروح.
ويبدو لنا أن ما ذهب إليه صاحب الكشاف واكتفى به أولى بالقبول ، لأنه هو المشهور من
__________________
(١) أضواء البيان ج ٥ ص ٢٠ للشيخ محمد الأمين الشنقيطى ـ رحمهالله.
(٢) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٤٤.