والضمير «هي» للقصة والشأن. و «إذا» للمفاجأة.
قال الجمل : قوله : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ..) فيه وجهان : أحدهما ـ وهو الأجود ـ أن يكون هي ضمير القصة. وشاخصة : خبر مقدم. وأبصار : مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر لهى لأنها لا تفسر إلا بجملة مصرح بجزأيها ..» (١).
والمعنى : لقد تحقق ما أخبرنا به من أمارات الساعة ، ومن خروج يأجوج ومأجوج ، ومن عودة الخلق إلينا للحساب .. ورأى المشركون كل ذلك ، فإذا بأبصارهم مرتفعة الأجفان لا تكاد تطرف من شدة الهول والفزع.
يقال : شخص بصر فلان يشخص شخوصا فهو شاخص ، إذا فتح عينيه وصار لا يستطيع تحريكهما.
وقوله : (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) مقول لقول محذوف.
أى : أن هؤلاء الكافرين يقولون وهم شاخصو البصر : يا هلاكنا أقبل فهذا أوانك ، فإننا قد كنا في الدنيا في غفلة تامة عن هذا اليوم الذي أحضرنا فيه للحساب.
وقوله : (بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) إضراب عن وصف أنفسهم بالغفلة ، إلى وصفها بالظلم وتجاوز الحدود.
أى : لم نكن في الحقيقة في غفلة عن هذا اليوم وأهواله ، فقد أخبرنا رسلنا به ، بل الحقيقة أننا كنا ظالمين لهؤلاء الرسل لأننا لم نطعهم ، وكنا ظالمين لأنفسنا حيث عرضناها لهذا العذاب الأليم.
وهكذا يظهر الكافرون الندامة والحسرة في يوم لا ينفعهم فيه ذلك.
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ..) زيادة في تقريعهم وتوبيخهم.
والحصب ـ بفتحتين ـ ما تحصب به النار. أى : يلقى فيها لتزداد به اشتعالا كالحطب والخشب.
أى : إنكم ـ أيها الكافرون ـ وأصنامكم التي تعبدونها من دون الله ـ تعالى ـ وقود جهنم ، وزادها الذي تزداد به اشتعالا.
وفي إلقاء أصنامهم معهم في النار مع أنها لا تعقل ، زيادة في حسرتهم وتبكيتهم ، حيث رأوا بأعينهم مصير ما كانوا يتوهمون من ورائه المنفعة.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ١٤٦.