والتقدير : وأحضر قوم إبراهيم الحطب ، وأضرموا نيرانا عظيمة ، وألقوا بإبراهيم فيها ، فلما فعلوا ذلك ، قلنا : يا نار كوني ـ بقدرتنا وأمرنا ـ ذات برد ، وذات سلام على إبراهيم ، فكانت كما أمرها الله ـ تعالى ـ ، وصدق ـ سبحانه ـ إذ يقول : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١).
وتحولت النار إلى برد وسلام على إبراهيم ، وأراد الكافرون به كيدا ، أى إحراقا بالنار «فجعلناهم» بإرادتنا وقدرتنا «الأخسرين» حيث لم يصلوا إلى ما يريدون ، ولم يحققوا النصر لآلهتهم ، بل رد الله ـ تعالى ـ كيدهم في نحورهم.
وقال ـ سبحانه ـ (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) بالإطلاق لتشمل خسارتهم كل خسارة سواء أكانت دنيوية أم أخروية.
وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات آثارا منها : أن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ حين جيء به إلى النار ، قالت الملائكة : يا ربنا ما في الأرض أحد يعبدك سوى إبراهيم ، وأنه الآن يحرق فأذن لنا في نصرته!!
فقال ـ سبحانه ـ : إن استغاث بأحد منكم فلينصره. وإن لم يدع غيرى فأنا أعلم به ، وأنا وليه ، فخلوا بيني وبينه ، فهو خليلي ليس لي خليل غيره.
فأتى جبريل ـ عليهالسلام ـ إلى إبراهيم ، فقال له : ألك حاجة؟ فقال إبراهيم : أما إليك فلا ، وأما إلى الله فنعم!!
فقال له جبريل : فلم لا تسأله؟ فقال إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ : حسبي من سؤالى علمه بحالي .. (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ نعما أخرى أنعم بها على إبراهيم فقال : (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ).
والضمير في قوله : (وَنَجَّيْناهُ) يعود إلى إبراهيم. و «لوطا» هو ابن أخيه ، وقيل : ابن عمه.
والمراد بالأرض التي باركنا فيها : أرض الشام على الصحيح وعدّى (نَجَّيْناهُ) بإلى ، لتضمينه معنى أخرجناه.
أى : وأخرجناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها ، بأن جعلناها مهبطا للوحى ، ومبعثا
__________________
(١) سورة البقرة الآية ١١٧.
(٢) راجع تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ٦٨.