قال الآلوسى : «أخرج أبو نعيم ، وابن مردويه ، والديلمي ، عن ابن عباس ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال في ذلك : «أعطى الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين» (١).
وقال الجمل في حاشيته : «فإن قلت : كيف يصح حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا؟.
قلت : لأن أصل النبوة مبنى على خرق العادات. إذا ثبت هذا. فلا تمنع صيرورة الصبى نبيا. وقيل : أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير .. (٢).
والذي تطمئن إليه النفس وعليه جمهور المفسرين أن المراد بالحكم هنا : العلم النافع مع العمل به ، وذلك عن طريق حفظ التوراة وفهمها وتطبيق أحكامها.
قال ابن كثير : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) أى : الفهم والعلم والجد والعزم ، والإقبال على الخير ، والإكباب عليه ، والاجتهاد فيه ، وهو صغير حدث.
قال عبد الله بن المبارك : قال معمر : قال الصبيان ليحيى بن زكريا : اذهب بنا نلعب ، فقال : ما للعب خلقنا. قال : فلهذا أنزل الله : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (٣).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا) معطوف على (الْحُكْمَ).
أى : وأعطيناه الحكم صبيا ، وأعطيناه حنانا ...
قال القرطبي ما ملخصه : «الحنان : الشفقة والرحمة والمحبة ، وهو فعل من أفعال النفس ...
وأصله : من حنان الناقة على ولدها ... قال طرفة :
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا |
|
حنانيك بعض الشر أهون من بعض (٤) |
والمعنى : منحنا (يَحْيى) الحكم صبيا ، ومنحناه من عندنا وحدنا رحمة عظيمة عليه ، ورحمة في قلبه جعلته يعطف على غيره ، وأعطيناه كذلك زكاة أى : طهارة في النفس ، أبعدته عن ارتكاب ما نهى الله عنه ، وجعلته سباقا لفعل الخير (وَكانَ تَقِيًّا) أى مطيعا لنا في كل ما نأمره به ، أو ننهاه عنه.
ثم أضاف ـ سبحانه ـ إلى تلك الصفات الكريمة ليحيى صفات أخرى فقال : (وَبَرًّا
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ٧٢.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٥٤.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ١١٣.
(٤) تفسير القرطبي ج ١١ ص ٨٧.