لا يصح أن تترك عبادته إلى عبادة حجر أو نحوه ، مما لا يضر ولا ينفع.
والمعنى : أو لم يشاهد الذين كفروا بأبصارهم ، ويعلموا بعقولهم ، أن السموات والأرض كانتا رتقا ، بحيث لا ينزل من السماء مطر ، ولا يخرج من الأرض نبات ، ففتق الله ـ تعالى ـ السماء بالمطر ، والأرض بالنبات.
إنهم بلا شك يشاهدون ذلك ، ويعقلونه بأفكارهم. ولكنهم لاستيلاء الجحود والعناد عليهم ، يعبدون من دونه ـ سبحانه ـ مالا ينفع من عبده ، ولا يضر من عصاه.
وقال ـ سبحانه ـ : (كانَتا) بالتثنية ، باعتبار النوعين اللذين هما نوع السماء ، ونوع الأرض ، كما في قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا ..).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ..) تأكيد لمضمون ما سبق ، وتقرير لوحدانيته ونفاذ قدرته ـ سبحانه ـ والجعل بمعنى الخلق. و (مِنَ) ابتدائية.
أى : وخلقنا من الماء بقدرتنا النافذة ، كل شيء متصف بالحياة الحقيقية وهو الحيوان ، أو كل شيء نام فيدخل النبات ، ويراد من الحياة ما يشمل النمو.
وهذا العام مخصوص بما سوى الملائكة والجن مما هو حي ، لأن الملائكة ـ كما جاء في بعض الأخبار خلقوا من النور ، والجن مخلوقون من النار.
قال ـ تعالى ـ (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ* وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ).
قال القرطبي : وفي قوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) ثلاث تأويلات : أحدها : أنه خلق كل شيء من الماء. قاله قتادة. الثاني : حفظ حياة كل شيء بالماء : الثالث : وجعلنا من ماء الصلب ـ أى : النطفة ـ كل شيء حي .. (١).
وقوله : (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) إنكار لعدم إيمانهم مع وضوح كل ما يدعو إلى الإيمان الحق ، والفاء للعطف على مقدر يستدعيه هذا الإنكار.
أى : أيشاهدون بأعينهم ما يدل على وحدانية الله وقدرته. ومع ذلك لا يؤمنون؟
إن أمرهم هذا لمن أعجب العجب ، وأغرب الغرائب!!.
ثم ساق ـ سبحانه ـ أدلة أخرى على وحدانيته وقدرته فقال : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ ..).
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١١ ص ٢٨٤.