تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ)(١٥)
قال الآلوسى : «قوله ـ تعالى ـ : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً ..) كلام مستأنف لتحقيق حقية القرآن العظيم ، الذي ذكر في صدر السورة إعراض الناس عما يأتيهم من آياته ، واستهزاؤهم به ، واضطرابهم في أمره ، وبيان علو مرتبته ، إثر تحقيق رسالته صلىاللهعليهوسلم ، ببيان أنه كسائر الرسل الكرام ، وقد صدر الكلام بالتوكيد القسمي ، إظهارا لمزيد الاعتناء بمضمونه وإيذانا ، بأن المخاطبين في أقصى مراتب النكير ، والخطاب لقريش ، وجوز أن يكون لجميع العرب.» (١).
والمعنى : لقد أنزلنا إليكم يا معشر العرب عن طريق رسولنا محمد صلىاللهعليهوسلم كتابا عظيم الشأن ، نير البرهان ، مشتملا على ما يسعدكم ، وهذا الكتاب (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) أى : فيه شرفكم ، وعلو منزلتكم ، وحسن موعظتكم ، وشفاء صدوركم.
(أَفَلا تَعْقِلُونَ) ذلك ، مع أن هذا الأمر واضح ، ولا يحتاج إلى جدال أو مناقشة.
فالاستفهام لإنكار عدم تدبرهم في شأن هذا الكتاب الذي أنزله الله ـ تعالى ـ ليظفروا بسببه بالذكر الجميل ، وبالموعظة الحسنة ، كما قال ـ تعالى ـ (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) (٢).
وإن من مظاهر كون القرآن الكريم فيه ذكر العرب وشرفهم ، أنه نزل بلغتهم ، وأنه المعجزة الباقية الخالدة بخلاف غيره من المعجزات التي أيد الله ـ تعالى ـ بها الرسل السابقين ، وأنه الكتاب الذي قادوا به البشرية قرونا طويلة. عند ما حملوه إلى الناس ، فقرأوه عليهم ، وشرحوا لهم أحكامه وآدابه وتشريعاته .. وما أصيب العرب في دينهم ودنياهم إلا يوم أن تخلوا عن العمل بهدايات هذا الكتاب ، وقصروا في تبليغه إلى الناس.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما أنزله بالقوم الظالمين فقال : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ).
و «كم» هنا خبرية مفيدة للتكثير ، وهي في محل نصب على أنها مفعول مقدم «لقصمنا».
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٧ ص ١٤.
(٢) سورة الزخرف الآية ٤٤.