وقوله ـ سبحانه ـ : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) رد على جهالاتهم وجحودهم.
والمراد بالبينة القرآن الكريم الذي هو أم الآيات ، ورأس المعجزات.
والمراد بالصحف الأولى : الكتب السماوية السابقة كالتوراة والإنجيل والزبور.
والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، والاستفهام لتقرير الإتيان وثبوته.
والمعنى : أجهلوا ولم يكفهم اشتمال القرآن الذي جئت به ـ أيها الرسول الكريم ـ على بيان ما في الصحف الأولى التي أنزلناها على الرسل السابقين ، ولم يكفهم ذلك في كونه معجزة حتى طلبوا غيرها؟.
قال صاحب الكشاف : اقترحوا على عادتهم في التعنت آية على النبوة ، فقيل لهم : أو لم تأتكم آية من أم الآيات وأعظمها في باب الإعجاز ، يعنى القرآن ، من جهة أن القرآن برهان ما في سائر الكتب المنزلة ، ودليل صحته لأنه معجزة ، وتلك ليست بمعجزات ، فهي مفتقرة إلى شهادته على صحة ما فيها ، افتقار المحتج عليه إلى شهادة الحجة. (١).
وقال ابن كثير : قوله : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) يعنى : القرآن العظيم ، الذي أنزله الله ـ تعالى ـ عليه صلىاللهعليهوسلم وقد جاء فيه أخبار الأولين بما كان منهم في سالف الدهور ، بما يوافقه عليه الكتب المتقدمة الصحيحة منها ، فإن القرآن مهيمن عليها .. وهذه الآية كقوله ـ تعالى ـ : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ ، قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ* أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢).
وفي الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ما من نبي إلا وقد أوتى من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلى ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» (٣).
ومنهم من يرى أن المراد بالبينة : الكتب السماوية السابقة.
فيكون المعنى : أو لم يكف هؤلاء الجاهلين أن الكتب السماوية السابقة كالتوراة والإنجيل قد بشرت بك وبينت نعوتك وصفاتك ، وهم معترفون بصدقها ، فكيف لا يقرون بنبوتك.
قال القرطبي : وقوله : (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى) يريد التوراة والإنجيل
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٩٩.
(٢) سورة العنكبوت الآيتان ٥٠ ، ٥١.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٣٢٣.