فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (١١٤)
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ ...) معطوف على قوله : (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ ..) والكاف للتشبيه ، واسم الإشارة يعود على إنزال ما سبق من آيات.
أى : ومثل ما أنزلنا الآيات السابقة المشتملة على الآداب والأحكام والقصص ، أنزلنا عليك يا محمد القران كله ، فما نزل منه متأخرا يشبه في هدايته وإعجازه ما نزل منه متقدما.
وقد اقتضت حكمتنا أن نجعله (قُرْآناً عَرَبِيًّا) أى : بلغة العرب ، لكي يفهموه ويقعوا على ما فيه من هدايات وإرشادات وإعجاز للبشر.
وقوله : (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) معطوف على (أَنْزَلْناهُ) أى : أنزلناه قرآنا عربيا وكررنا ونوعنا فيه ألوانا من الوعيد على سبيل التخويف والتهديد.
(لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أى : لعل الناس يتقون ـ بسبب ذلك ـ الوقوع في الكفر والفسوق والعصيان ، ويجتنبون الآثام والسيئات ، ويصونون أنفسهم عن الموبقات فمعمول (يَتَّقُونَ) محذوف.
وقوله ـ سبحانه ـ : (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) بيان لحكمة أخرى من الحكم التي من أجلها أنزل الله القرآن الكريم.
أى : أنزلناه بهذه الصفة ، وجعلناه مشتملا على ضروب من الوعيد ، لعل قومك ـ أيها الرسول الكريم ـ يتقون الكفر والمعاصي ، أو لعل القرآن يحدث في نفوسهم (ذِكْراً).
أى : اتعاظا واعتبارا يصرفهم عن التردي فيما تردت فيه الأمم السابقة من آثام وموبقات أدت إلى هلاكها.
وقال ـ سبحانه ـ : (أَنْزَلْناهُ) بالإضمار مع أن القرآن لم يسبق له ذكر في الآيات السابقة ، للإيذان بنباهة شأنه ، وعلو قدره ، وكونه مركوزا في العقول ، حاضرا في الأذهان والقلوب.
ثم أثنى ـ سبحانه ـ على ذاته بما يستحقه من صفات كريمة فقال : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ).