أى أصيبا بمرض الحمى ـ فتحامى الناس وتحاموه ، وكان يصيح : لا مساس. وعاد في الناس أوحش من القاتل اللاجئ إلى الحرم ، ومن الوحش النافر في البرية .. (١).
وقال الآلوسى ما ملخصه : والسر في عقوبته على جنايته بما ذكر. أنه ضد ما قصده من إظهار ذلك ليجتمع عليه الناس ويعززوه ، فكان ما فعله سببا لبعدهم عنه وتحقيره. وقيل : عوقب بذلك ليكون الجزاء من جنس العمل ، حيث نبذ فنبذ ، فإن ذلك التحامى عنه أشبه شيء بالنبذ .. (٢).
قالوا : وهذه الآية الكريمة أصل في نفى أهل البدع والمعاصي وهجرانهم وعدم مخالطتهم.
ثم بين ـ سبحانه ـ عقوبة السامري في الآخرة ، بعد بيان عقوبته في الدنيا فقال : (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ).
وقوله : (تُخْلَفَهُ) قرأها الجمهور بضم التاء وفتح اللام. أى : وإن لك موعدا في الآخرة لن يخلفك الله ـ تعالى ـ إياه. بل سينجزه لك ، فيعاقبك يومئذ العقاب الأليم الذي تستحقه بسبب ضلالك وإضلالك ، كما عاقبك في الدنيا بعقوبة الطرد والنفور من الناس.
وقرأ ابن كثير وأبو عمر (لَنْ تُخْلَفَهُ) بضم التاء وكسر اللام أى : وإن لك موعدا في الآخرة لن تستطيع التخلف عنه ، أو المهرب منه ، بل ستأتيه وأنت صاغر ..
ثم بين ـ سبحانه ـ ما فعله موسى ـ عليهالسلام ـ بالعجل الذي صنعه السامري لإضلال الناس. فقال : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً).
أى : وقال موسى ـ أيضا ـ للسامري : وانظر الى معبودك العجل الذي أقمت على عبادته أنت وأتباعك في غيبتي عنكم.
(لَنُحَرِّقَنَّهُ) بالنار أمام أعينكم ، والجملة جواب لقسم محذوف ، أى : والله لنحرقنه (ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) أى : ثم لنذرينّه في البحر تذرية ، بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر.
يقال : نسف الطعام ينسفه نسفا ، إذا فرقه وذراه بحيث لا يبقى منه شيء.
وقد نفذ موسى ـ عليهالسلام ـ ذلك حتى يظهر للأغنياء الجاهلين الذين عبدوا العجل ، أنه لا يستحق ذلك. وإنما يستحق الذبح والتذرية ، وأن عبادتهم له إنما هي دليل واضح على انطماس بصائرهم ، وشدة جهلهم.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٨٥.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ٢٥٦.