كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى)(٧٠)
فقوله ـ تعالى ـ : (قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ ...) حكاية لما وجهه موسى ـ عليهالسلام ـ من نصح وإنذار. قيل : كان عددهم اثنين وسبعين ، وقيل : أكثر من ذلك.
قال الجمل : قوله (فَيُسْحِتَكُمْ) قرأ الأخوان وحفص عن عاصم فيسحتكم ـ بضم الياء وكسر الحاء ـ. وقرأ الباقون بفتحهما. فقراءة الأخوين من أسحت الرباعي ، وهي لغة نجد وتميم ، وقراءة الباقين من سحت الثلاثي ـ وبابه قطع ـ وهي لغة الحجازيين.
وأصل هذه المادة. الدلالة على الاستقصاء ، والنفاد ، ومنه سحت الحالق الشعر ، أى : استقصاء فلم يترك منه شيئا ، ويستعمل في الإهلاك والإذهاب ، ونصبه بإضمار أن في جواب النهى (١).
أى : قال موسى ـ عليهالسلام ـ للسحرة الذين التقى بهم وجها لوجه بعد أن حشدهم فرعون أمامه ، فقال لهم : الويل والهلاك لكم ، لا تفتروا على الله ـ تعالى ـ كذبا ، بأن تقفوا في وجهى ، وتزعموا أن معجزاتي هي نوع من السحر. فإنكم لو فعلتم ذلك أهلككم الله ـ تعالى ـ وأبادكم بعذاب عظيم من عنده.
وجملة (وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) معترضة لتقرير وتأكيد ما قبلها.
أى : وقد خاب وخسر كل من قال على الله ـ تعالى ـ قولا باطلا لا حقيقة له ، وفرعون أول المبطلين المفترين الخاسرين ، فاحذروا أن تسيروا في ركابه ، أو أن تطيعوا له أمرا.
ويبدو أن هذه النصيحة الصادقة المخلصة كان لها أثرها الطيب في نفوس بعض السحرة ، بدليل قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى) والنجوى : المسارة في الحديث.
أى : وبعد أن سمع السحرة من موسى نصيحته لهم وتهديده إياهم بالاستئصال والهلاك. إذا ما استمروا في ضلالهم ، اختلفوا فيما بينهم ، (وَأَسَرُّوا النَّجْوى) أى : وبالغوا في إخفاء ما يسارون به عن موسى وأخيه ـ عليهماالسلام ـ.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٩٨.