خَزائِنُ اللهِ ، وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ، وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بتلك الجملة الجامعة لكل خير فقال : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ ، فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً ، وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ للناس : إنما أنا واحد مثلكم في البشرية إلا أن الله ـ تعالى ـ قد خصنى واصطفاني عليكم برسالته ووحيه ، وأمرنى أن أبلغكم أن إلهكم إله واحد. فمن كان منكم يرجو لقاء الله ـ تعالى ـ ويأمل في ثوابه ورؤية وجهه الكريم ، والظفر بجنته ورضاه ، فليعمل عملا صالحا ، بأن يكون هذا العمل خالصا لوجه الله ـ تعالى ـ ومطابقا لما جئت به من عنده ـ عزوجل ـ ولا يشرك بعبادة ربه أحدا من خلقه سواء أكان هذا المخلوق نبيا أم ملكا أم غير ذلك من خلقه ـ تعالى ـ.
وقد حمل بعض العلماء الشرك هنا على الرياء في العمل ، فيكون المعنى : «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ، ولا يرائى الناس في عمله ، لأن العمل الذي يصاحبه الرياء هو نوع من أنواع الشرك بالله تعالى».
والذي يبدو لنا أن حمل الشرك هنا على ظاهره أولى ، بحيث يشمل الإشراك الجلى كعبادة غير الله ـ تعالى ـ والإشراك الخفى كالرياء وما يشبهه.
أى : ولا يعبد ربه رياء وسمعة ، ولا يصرف شيئا من حقوق خالقه لأحد من خلقه ، لأنه ـ سبحانه ـ يقول : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) (٢).
وقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الأحاديث عند تفسيره لقوله ـ تعالى ـ (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً).
ومن هذه الأحاديث ما رواه ابن أبى حاتم ، من حديث معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن طاوس قال : قال رجل يا رسول الله ، إنى أقف المواقف أريد وجه الله ، وأحب أن يرى موطني ، فلم يرد عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا حتى نزلت هذه الآية : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (٣).
__________________
(١) سورة الأنعام الآية ٥٠.
(٢) سورة النساء الآية ٤٨.
(٣) راجع تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٢٠٠ طبعة دار الشعب.