أى : هكذا تمادى أسلافهم في الكفر والجحود ، فأصابهم جزاء سيئات أعمالهم ، وأحاط بهم العذاب من كل جانب ، بسبب كفرهم وسخريتهم بالرسل وبما أخبروهم به من حساب وثواب وعقاب في الآخرة ، وسيقال لهؤلاء المجرمين يوم القيامة وهم يردون النار : (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) (١).
وبذلك نرى أن هاتين الآيتين ، قد هددتا الكافرين ودعتهما إلى الدخول في الحق ، وحذرتاهم من انتهاج نهج الظالمين من قبلهم.
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعض أقاويلهم الباطلة ، ومعاذيرهم الفاسدة ، ورد عليهم بما يدحضها ويدمغها ، فقال ـ تعالى ـ :
(وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥) وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٣٧)
إن هذه الآيات الكريمة ، تعالج شبهة من الشبهات القديمة الحديثة.
قديمة ، لأن كثيرا من مجادلى الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ جادلوا بها.
وحديثة ، لأنها كثيرا ما تراود الذين يتمسكون بالأوهام ، إرضاء لنزواتهم وشهواتهم.
إنهم جميعا يقولون عند ارتكابهم للقبائح والمنكرات : هذا أمر الله وهذا قضاؤه ، وتلك
__________________
(١) سورة الطور الآية ١٤.