ويبدو لنا أن تفسير الحياة الطيبة هنا بأنها الحياة الدنيوية أرجح ، لأن الحياة الأخروية جاء التصريح بها بعد ذلك في قوله ـ تعالى ـ : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
فلو فسرنا الحياة الطيبة بالحياة الأخروية لكان في الآية الكريمة ما يشبه التكرار ، ولكننا لو فسرناها بالحياة الدنيوية لكانت الآية الكريمة مبينة لجزاء المؤمنين في الدارين.
وأيضا فإن قول النبي صلىاللهعليهوسلم السابق : «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا» يشير إلى أن المراد بالحياة الطيبة ، الحياة الدنيوية ، لأن من نال الفلاح نال حياة طيبة.
وعلى ذلك يكون المعنى الإجمالى للآية الكريمة : من عمل عملا صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة في الدنيا ، يظفر معها بالسعادة وصلاح البال ، والأمان والاطمئنان ، أما في الآخرة فسنجزيه جزاء أكرم وأفضل مما كان يعمله في الدنيا من أعمال صالحة.
قال صاحب الكشاف قوله : (حَياةً طَيِّبَةً) يعنى في الدنيا ، وهو الظاهر لقوله (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ) وعدهم الله ثواب الدنيا والآخرة ، كقوله : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ ...) (١).
وذلك أن المؤمن مع العمل الصالح موسرا كان أو معسرا ، يعيش عيشا طيبا ، إن كان موسرا فلا مقال فيه ، وإن كان معسرا فمعه ما يطيب عيشه وهو القناعة والرضا بقسمة الله.
وأما الفاجر فأمره على العكس. إن كان معسرا فلا إشكال في أمره ، وإن كان موسرا ، فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه (٢).
* * *
ثم أشار ـ سبحانه ـ إلى أن من الأعمال الصالحة ، أن يستعيذ المسلم عند قراءته للقرآن الكريم ، من الشيطان الرجيم ، فقال ـ تعالى :
(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ
__________________
(١) سورة آل عمران الآية ١٤٨.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٢٨.