وعلى القول الثاني فالعامل في الظرف اسم الفاعل الذي هو «منتصرا». أى : لم يكن انتصاره واقعا هنالك (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً) أى : هو ـ عزوجل ـ خير إثابة وإعطاء لأوليائه ، وخير عاقبة لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى.
وعاقبة الأمر : آخره وما يصير إليه منتهاه. و «ثوابا» و «عقبا» منصوبان على التمييز ، بعد صيغة التفضيل «خير» التي حذفت منها الهمزة تخفيفا لكثرة الاستعمال كما قال ابن مالك ـ رحمهالله ـ :
وغالبا أغناهم خير وشر |
|
عن قولهم أخير منه وأشر |
وبذلك نرى أن هذه القصة التي ضربها الله ـ تعالى ـ مثلا للأخيار والأشرار قد بينت لنا بأسلوب بليغ أخاذ ، صور عاقبة الجاحدين المغرورين ؛ وحسن عاقبة الشاكرين المتواضعين ، كما بينت لنا الآثار الطيبة التي تترتب على الإيمان والعمل الصالح ، والآثار السيئة التي يفضى إليها الكفر وسوء العمل ، كما بينت لنا أنّ المتفرد بالولاية والقدرة هو الله ـ عزوجل ـ فلا قوة إلا قوته ، ولا نصر إلا نصره ، ولا مستحق للعبادة أحد سواه ، ولا ثواب أفضل من ثوابه ولا عاقبة لأوليائه خير من العاقبة التي يقدرها لهم ، وصدق ـ سبحانه ـ حيث يقول : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ، هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً).
ثم تنتقل السورة الكريمة من ضرب المثل الجزئى الشخصي ، إلى ضرب مثال آخر عام كلى ، فبينت أن الحياة الدنيا في قصرها وذهاب زينتها .. كتلك الجنة التي أصبحت حطاما ، بعد اخضرارها وكثرة ثمرها ، كما بينت أن هناك زينة فانية ، وأن هنالك أعمالا صالحة باقية قال ـ تعالى ـ :
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥)
__________________
(١) تفسير أضواء البيان ج ٥ ص ١٠٨.