أى : لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته ـ تعالى ـ لو لم نجئ بمثله مددا ، ولو جئنا بمثله مددا ـ لنفد أيضا ـ (١).
وقال بعض العلماء : وهذا من باب تقريب المعنى إلى الأذهان ، لأن هذه الأشياء مخلوقة ، وجميع المخلوقات منقضية منتهية ، وأما كلام الله ـ تعالى ـ فهو من جملة صفاته ، وصفاته غير مخلوقة ولا لها حد ولا منتهى ، فأى سعة وعظمة تصورتها القلوب ، فالله ـ تعالى ـ فوق ذلك ، وهكذا سائر صفات الله ـ سبحانه ـ كعلمه وحكمته وقدرته ورحمته (٢).
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٣) ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بأمر آخر منه ـ تعالى ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم فقال : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ للناس ، مبينا لهم حقيقة أمرك ، بعد أن بينت لهم عدم تناهى كلمات ربك.
قل لهم : إنما أنا بشر مثلكم أوجدنى الله ـ تعالى ـ بقدرته من أب وأم كما أوجدكم. وينتهى نسبي ونسبكم إلى آدم الذي خلقه الله ـ تعالى ـ من تراب.
ولكن الله ـ عزوجل ـ اختصني بوحيه وبرسالته ـ وهو أعلم حيث يجعل رسالته ـ وأمرنى أن أبلغكم أن إلهكم وخالقكم ورازقكم ومميتكم ، هو إله واحد لا شريك له لا في ذاته ، ولا في أسمائه ، ولا في صفاته.
فعليكم أن تخلصوا له العبادة والطاعة ، وأن تستجيبوا لما آمركم به ، ولما أنهاكم عنه ، فإنى مبلغ عنه ما كلفنى به.
فالآية الكريمة وإن كانت تثبت للرسول صلىاللهعليهوسلم صفة البشرية وتنفى عنه أن يكون ملكا أو غير بشر .. إلا أنها تثبت له ـ أيضا ـ أن الله ـ تعالى ـ قد فضله على غيره من البشر بالوحي إليه ، وبتكليفه بتبليغ ما أمره الله ـ تعالى ـ بتبليغه للعالمين. كما قال ـ سبحانه ـ (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) وكما قال ـ عزوجل ـ : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٦ ص ٥٢.
(٢) تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المتان ، ج ٥ ص ٤٣ للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي طبعة مؤسسة مكة للطباعة والإعلام.
(٣) سورة لقمان الآية ٢٧.