فصرح بأننا لا نفقه تسبيحهم ، وتسبيحهم واقع عن إرادة لهم يعلمها ـ سبحانه ـ ونحن لا نعلمها.
ومن الأحاديث الدالة على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إنى لأعرف حجرا كان يسلم على بمكة». وما ثبت في صحيح البخاري من حنين الجذع الذي كان يخطب عليه صلىاللهعليهوسلم حزنا لفراقه.
فتسليم ذلك الحجر ، وحنين ذلك الجزع ، كلاهما بإرادة وإدراك يعلمه الله ونحن لا نعلمه .. (١).
١٢ ـ أن صلاح الآباء ينفع الأبناء. بدليل قوله ـ تعالى ـ : (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً).
قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته وتشمل بركة عبادته ما ينفعهم في الدنيا والآخرة ، بشفاعته فيهم ، ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم ، كما جاء في القرآن ووردت السنة به.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : حفظا بصلاح أبيهما.
١٣ ـ أن على الصاحب أن لا يفارق صاحبه حتى يبين له الأسباب التي حملته على ذلك ، فأنت ترى أن الخضر قد قال لموسى : «هذا فراق بيني وبينك ، سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا» (٢) أى : قبل مفارقتي لك سأخبرك عن الأسباب التي حملتني على فعل ما فعلت مما لم تستطع معه صبرا.
ويفهم من ذلك أن موافقة الصاحب لصاحبه ـ في غير معصية الله ـ تعالى ـ على رأس الأسباب التي تعين على دوام الصحبة وتقويتها ، كما أن عدم الموافقة ، وكثرة المخالفة ، تؤدى إلى المقاطعة.
كما يفهم من ذلك ـ أيضا ـ أن المناقشة والمحاورة متى كان الغرض منها الوصول إلى الحق ، وإلى المزيد من العلم ، وكانت بأسلوب مهذب ، وبنية طيبة ، لا تؤثر في دوام المحبة والصداقة ، بل تزيدهما قوة وشدة.
نسأل الله ـ تعالى ـ أن يؤدبنا بأدبه ، وأن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ، وأنس نفوسنا.
ثم ساق ـ سبحانه ـ قصة ذي القرنين ، وهي القصة الرابعة والأخيرة في السورة فقد سبقتها قصة أصحاب الكهف. وقصة صاحب الجنتين وقصة موسى والخضر.
__________________
(١) راجع أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ج ٤ ص ١٧٨.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ١٨٣.