فعله من أجل الغلامين اليتيمين إلى الله فقال : (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) :
وشبيه بهذا ما حكاه الله ـ تعالى ـ عن صالحي الجن في قولهم : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ ، أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً).
١١ ـ قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) أى : قرب أن يسقط. وهذا مجاز وتوسع.
وقد فسره في الحديث بقوله «مائل» فكان فيه دليل على وجود المجاز في القرآن ، وهو مذهب الجمهور.
وجميع الأفعال التي حقها أن تكون للحي الناطق إذا أسندت إلى جماد أو بهيمة ، فإنما هي استعارة.
أى : لو كان مكانها إنسان لكان ممتثلا لذلك الفعل ، وهذا في كلام العرب وأشعارهم كثير ، كقول الأعشى :
أتنهون ولا ينهى ذوى شطط |
|
كالطّعن يذهب فيه الزيت والفتل |
والشطط : الجور والظلم ، يقول : لا ينهى الظالم عن ظلمه إلا الطعن العميق الذي يغيب فيه الفتل ـ فأضاف النهى إلى الطعن.
وذهب قوم إلى منع المجاز في القرآن فإن كلام الله عزوجل ـ وكلام رسوله صلىاللهعليهوسلم حمله على الحقيقة أولى بذي الفضل والدين ، لأنه يقص الحق كما أخبر الله ـ تعالى ـ في كتابه .. (١).
وقد صرح صاحب أضواء البيان أنه لا مجاز في القرآن فقال ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ).
هذه الآية من أكبر الأدلة التي يستدل بها القائلون : بأن المجاز في القرآن ، زاعمين أن إرادة الجدار الانقضاض لا يمكن أن تكون حقيقة وإنما هي مجاز.
وقد دلت آيات من كتاب الله على أنه لا مانع من أن تكون إرادة الجدار حقيقة ، لأن الله ـ تعالى ـ يعلم للجمادات إرادات وأفعالا وأقوالا لا يدركها الخلق ، كما صرح ـ تعالى ـ بأنه يعلم من ذلك مالا يعلمه خلقه في قوله ـ سبحانه ـ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ..).
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١١ ص ٢٥.